وصلت أزمة النقاب التي فجرها شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي إلى ايطاليا حيث بارك اليمين الإيطالي المتشدد بزعامة رئيس الوزراء سيلفيو برسلكوني والمعروف بعنصريته الشديدة للإسلام، قرار طنطاوي يمنع ارتداء النقاب داخل المعاهد والجامعات الأزهرية.
وكان شيخ الأزهر قد أعلن اعتزامه اصدار قرار يمنع ارتداء النقاب داخل المعاهد والجامعات الازهرية في أعقاب مطالبته لإحدى الطالبات فى معهد أزهري برفع النقاب عن وجهها داخل الفصل أثناء قيامه بجولة تفقدية بمعاهد القاخرة السبت الماضي، وهو ما أثار ردود فعل مختلفة من قبل علماء دين مسلمين ومنظمات حقوقية.
وقالت باربارة سالتاماريني مسئولة التكافؤ في حزب شعب الحرية الايطالي اليميني، تعليقا على توضيحات شيخ الازهر بشأن النقاب: انه "اخيرا لم يعد هناك مجالا للشك بعد توضيحات هذه السلطة العليا فى السنّة الاسلامية حول حق المرأة المسلمة بالتمتع بهويتها التى يحجبها النقاب والذى يمثل عنصرا دخيلا على التقليد الاسلامي" وفق تعبيرها.
وأشارت سالتاماريني في تصريحات نقلتها وكالة (آكي) الايطالية الرسمية للأنباء إلى أن "الأمر يتعلق بتصريح غاية في الأهمية"، ليس فقط لأنه "يسقط القناع عن الخرافات الزائفة لتطرف تغذيه تقاليد بالية"، بل لأنه "يمثل إشارة إلى إمكانية أن يكون الاهتمام بكرامة المرأة أمرا يتماشى مع قيم ورموز الإسلام"، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه "من العبث الاستمرار في تجنب مواجهة هذا الموضوع في بلادنا عندما تقوم بلدان كمصر بمنع هذه الأداة التي ترمز إلى الخضوع" حسب قولها.
وخلصت المسئولة في حزب شعب الحرية إلى القول: "لذا، أتمنى أن تتم وبأسرع وقت ممكن الموافقة على مشروع القانون الذي يعالج هذا الشأن والمعروض على مجلس النواب"، ولكي "تمر عملية اندماج النساء المهاجرات في ايطاليا عبر معركة الحرية أيضا".
يذكر أن حزب "شعب الحرية" عبارة عن اندماج لحزب التحالف الوطني، حزب اليمين التقليدي في ايطاليا، مع حزب "فورتسا ايطاليا" بزعامة رئيس الوزراء سيلفيو برلوسكوني والمعروف بعدائه الشديد للإسلام والمسلمين، حيث يذكر له التاريخ مباركته لقيام الولايات المتحدة بغزو أفغانستان بعد هجمات سبتمبر.
ووصف برلوسكوني حضارة الغرب بأنها المتفوقة على الإسلام بل وشبه الحرب التي تقودها أمريكا وحلفاؤها ضد ما يسمونه الإرهاب بـ "الحملة الصليبية" مؤكدا أنها ستحرز انتصارا حاسما على الإسلام وتقضي عليه، مطالبا مواطني الغرب من الأوروبيين والأمريكيين بالعودة إلى ما وصفه حظيرة إلايمان من خلال الحضارة الغربية والتي هي أسمى الحضارات، على حد قوله.
في نفس السياق، أشارت صحيفة "كورييري ديلا سيرا" الايطالية إلى أن حزب رابطة الشمال -المعروفة بعدائها الشديد للمهاجرين المسلمين- قدمت مقترحا للبرلمان الايطالي تطالب فيه بمعاقبة كل من يرتدي النقاب في الشوارع والمصالح العامة.
ونقل موقع "اخبار مصر" الالكتروني عن المتحدث باسم الرابطة في مجلس النواب الإيطالي، روبرتو كوتا، الذي قدم مشروع القانون، قوله أن الغرامة المقررة في نص القانون تصل إلى ألفي يورو والحبس عامين، لمن يرفض الالتزام به.
وزعم كوتا إن الرابطة لا تعادي الدين الإسلامي، مشيرا إلى أن القرآن ذاته لم ينص صراحة على ارتداء النقاب كما أوضح شيخ الأزهر.
وكان الحزب أكد في وقت سابق أن نجاحه في الانتخابات الماضية ووصوله مع زعيم اليمين الايطالي سيلفيو برسلكوني إلى سدة الحكم, سيكون بمثابة تصد قوي للإسلام والمسلمين, ومواجهة مفتوحة مع من أسماهم بـ"المتطرفين والإرهابيين والمجاهدين الإسلاميين".
أزمة النقاب
سعاد صالح
وكانت ردود الفعل قد تصاعدت خلال الساعات الماضية بين مؤيد ومعارض لموقف شيخ الأزهر تجاه طالبة في الصف الثاني الاعدادي لم تتعد الثانية عشرة عندما نهرها بشدة وطالبها بخلع النقاب اثناء تفقده المعاهد الأزهرية السبت الماضي بمناسبة بدء العام الدراسي، قائلا لها "النقاب مجرد عادة لا علاقة له بالدين الاسلامي من قريب او بعيد، وبعدين انت قاعدة مع زميلاتك البنات في الفصل لابسة النقاب ليه؟".
وعندما لم تجد الطالبة وسيلة اخرى سوى تنفيذ الأمر بخلع النقاب وكشف وجهها، فرد طنطاوي قائلا: "لما انت كده امّال لو كنت جميلة شوية كنت عملتي ايه؟".
فقد سارعت جماعة الاخوان المسلمين الى ادانة موقفه وهددت بالمطالبة بعزله اذا اتخذ قرارا بمنع النقاب، بل ووسعت انتقاداتها لتشمل وزير التعليم العالي بعد شكاوى عشرات الطالبات بمنعهن من الاقامة في المدن الجامعية بسبب النقاب.
واستنكر الأمين العام المساعد للكتلة البرلمانية للاخوان حمدي حسن في سؤال وجهه الى رئيس مجلس الوزراء خطاب شيخ الازهر للفتاة، عندما قال لها "انا باعرف في الدين احسن منك ومن اللي خلفوكي".
وأكد النائب، في سؤاله البرلماني، ان مخاطبة فتاة في المرحلة الاعدادية بتلك اللغة والاسلوب قد سبَّب لها حرجاً بالغاً وسط زميلاتها، وصدمات نفسية داخلية، مشدداً على خلو حديث طنطاوي من قيم الرحمة والنصح الذي يجب ان يكون عليه علماء الأمة الاجلاء.
ونقلت جريدة "القبس" الكويتية انتقاد حسن لشيخ الأزهر في اعقاب قوله انه سيصدر قرارا بمنع المنتقبات، سواء كن معلمات أو طالبات، من دخول المعاهد الأزهرية، متسائلاً: "الا يعلم فضيلته انه يزور معهدا دينيا، وسيجد فيه عدداً كبيراً من المنتقبات؟، فاذا أراد ان يزور معهدا، ولا يرى منتقبات ولا محجبات، فعليه ان يزور معهدا للرقص الشرقي.. وحينها لن يجد منتقبة واحدة، ولن يجد نفسه مضطرا إلى ان يصدر قرارا بمنع النقاب، محذرا من أي قرار يتخذ بمنع النقاب في المدارس والجامعات لان ذلك سيؤدي إلى كثير من المشاكل وقد يدفع بالاخوان إلى المطالبة بعزله.
من جانبه، قال منظر الجماعة الإسلامية المصرية واحد قيادييها التاريخيين ناجح ابراهيم: مع تقديري لشيخ الأزهر فانه لا يحق له اجبار الفتاة على خلع النقاب، لانه لا يستطيع ان يمنع المتبرجات من السير في الشارع أو الذهاب إلى المدارس، وانه رغم ان النقاب ليس فرضا، فانه أمر مستحب قد يصل إلى الوجوب في بعض الاحيان، لان المنتقبة تحافظ على نفسها ومجتمعها.
وأوضح ابراهيم انه حتى الانكار له طريقة مهذبة وراقية والنصيحة لها آداب، وهذه طفلة من المفترض الا يجرح مشاعرها فشيخ الأزهر قدوة ولا يجب ان يكون فظا غليظ القلب، لان هذا لا يليق بالدعاة والعلماء، وكان من الاولى ان ينصحها باللين والرفق، مؤكدا ان النقاب لا يمثل تطرفا أو تشددا وانما يعبر عن حياء المرأة، وطالما اعطينا الحرية للمرأة ان تخرج متبرجة فلا يحق لنا ان نمنعها منتقبة.
من جانبها، أعربت الدكتورة سعاد صالح أستاذة الفقه المقارن فى جامعة الأزهر عن تأييدها لفكرة حظر النقاب فى الجامعات، قائلة "إنه ليس بفرض ولا بسنة". وقدمت صالح بعض الأسباب التى تبرر منع النقاب منها أن ارتداء النقاب أنه يترتب عليه عزلة اجتماعية للمنقبات حيث يشكل جدارا عازلا بينهن وبين محيطهن الاجتماعى، كما أنه يجسد نظرة سلبية لغير المنقبات لا تمت إلى الدين بصلة.
بدورها، ق الت العميد السابق لكلية الدراسات الاسلامية بنات، الدكتورة آمنة نصير: احقاقا للحق انني لا أوافق على ما سلكه شيخ الأزهر، لانه اكبر من ذلك بكثير، وكان يكفيه ان يصدر امرا بمنع النقاب في المعاهد وجامعة الأزهر، لانه ليس فريضة اسلامية وهو موروث ورثناه منذ عهود بعيدة.
وقالت: الحقيقة ان من ينظر الى النصوص الاسلامية يتأكد ان الاسلام لم يأمر بالنقاب على الاطلاق، وان المولى عز وجل قال "وليضربن بخمرهن على جيوبهن"، وليس على وجوههن، وعندما امر المولى بغض البصر للرجال والنساء، فإن ذلك يعني وجود مجتمع مفتوح ومختلط بين الرجال والنساء يلتزم فيه الطرفان بغض البصر.
واعتبرت امنة نصير ان شيخ الازهر محق في منعه للنقاب كمسؤول عن المعاهد الازهرية، لكن ليس له حق في ان يجرح مشاعر فتاة صغيرة، والجمال مسألة نسبية، وذلك الموقف قد يسبب جرحا نفسيا للفتاة قد لا يلتئم، مؤكدة ان بعض الفتيات اصبحن يستغللن النقاب بشكل سيئ ويتخفين تحته لممارسة الكثير من الاخطاء.
بدوره، قال الشيخ على ابو الحسن الرئيس الاسبق للجنة الفتوي بمجمع البحوث الاسلامية "ان النقاب ليس فريضة وانما سنة، فالحجاب هو الذي فريضة على كل مسلمة، الا اذا كانت المرأة فاتنة الجمال يصبح النقاب هنا فريضة على المراة والرجل.. فقد أمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب احد الرجال الذى كان تفتتن به النساء بارتداء نقاب يخفي وجهه عنهن".
الا ان الشيخ ابو الحسن يرى "انه لا يحق لاى مسئول اطلاقا ان يأمر سيدة بخلع النقاب الا لعلة او ضرورة او للتعرف على شخصيتها فى امر ما، فالنقاب ليس مخالف للشريعة".
اما الشيخ عبد الحميد الاطرش رئيس لجنة الفتوي الحالي فيقول "ان النقاب فضيلة وليس بفرض على النساء نظرا لان وجه المرأة وكفيها ليس بعورة، الا انه قال "نظرا لما حدث من بعض المنتقبات او من الرجال الذين دخلوا تحت هذا الستار فلا مانع لرئيس مصلحة ان يسن قرارا يقضي لما فيه الخير للناس وللوطن".
ويضيف الشيخ الاطرش "بما اننا نرى ان النقاب دخل تحته كل من (هب ودب) وأصبح البعض يتستر وراءه وحدثت منه مشاكل لا تخفى علينا فلا مانع من ان يصدر فضيلة شيخ الازهر قرارا بمنعه وهو ادرى بما يقول وهو يعلم مدى تحمله للمسئوليه امام الله".
وتعدت ردود الافعال مصر لتصل الى السعودية، حيث انتقد محمد النجيمي الأستاذ بالمعهد السعودي العالي للقضاء والخبير في المجمع الفقهي الدولي ما فعله شيخ الازهر مع هذه التلميذة وقوله لها ان النقاب "مجرد عادة ولا علاقة له بالدين الإسلامي من قريب أو بعيد"، ورد النجيمي قائلا " "مع الاحترام لصديقنا سماحة الشيخ طنطاوي، إلا أن النقاب ليس من العادات كما قال وإنما هو مذكور في الحديث الشريف".