من يد الشعب التونسي تسلّم شعب مصرالشعلة
الثورة، ثورة شعوب الأمّة العربية التي لم يحسب لها أعداؤها أدنى حساب،
بعد أن ضمنوا ما هيئ لهم بواسطة الحكّام الطغاة، أن الشعوب باتت في حالة
خنوع واستسلام وموات طويلة الأمد، تكفل لهم الوقت الكافي الذي يحتاجونه
لترتيب ما سُمي بالشرق الأوسط (الجديد)، شرق التبعية للهيمنة الأمريكيّة
الصهيونيّة.
على سباق التتابع الذي انطلق من تونس في المغرب العربي، والذي امتدت يد شعب
مصر العريق وتلقفته لترفعه عاليا، وتنطلق به معلنة سقوط نظام دكتاتور كامب
ديفد، استيقظ حلف أعداء الأمة على انقلاب حلمهم إلى كابوس، فالشعوب
العربيّة لم تستسلم، ولم تمت، وهي شعوب تنتمي لأمة لها تطلعاتها، ومطامحها،
وقضاياها المقدسة، ولها عراقتها، وتاريخها، وتراثها، ولذا فهي وإن هانت
لفترة فإنها تنتفض في ثورات متلاحقة، وكل شعب عربي سيسلم الراية لشعب شقيق
آخر، وفي النهاية سترتفع شعلة كبيرة في سماء الوطن العربي الكبير، هي شعلة انتصارالثورة
العربيّة الكبرى الموعودة، والتي سترسم مستقبل الشرق الوسط الجديد، الشرق
الذي لن تغيّر قسمات وجهه، ولن تقوى على تبديل روحه ومسخها ..الحملة (
الصليبيّة) الامبريالية الصهيونية الجديدة!
انتهى زمن السخرية من الشعارات التي تجمع العرب في مشرقهم ومغربهم، بأنهم
أمة واحدة، وأن الكيانات الإقليميّة زائلة لا محالة، وأن فلسطين هي قضية
العرب الأولى بامتياز، وأن سلام كامب ديفد، وأوسلو، ووادي عربة،
والاختراقات في كيانات إقليمية..ليس نهاية المطاف، فالمعركة مفتوحة، وروح
المقاومة ستبقى متأججة، والرماد يخفي النيران المهيأة للاشتعال.
راهنا دائما على (روح) الأمة، وأصالتها، وعلى مصالحها التي تجمع ملايينها
المجوعة المُغرّبة في أوطانها، التي ينهب ثرواتها حفنة من اللصوص في كل
قطر، هم أنفسهم من يهيمنون على السلطة، ويستبدون بالقوّة، وبدعم أمريكا
راعيتهم، ويمتهنون كرامة الشعوب العربية التي تتطلع للحرية والكرامة
والعدالة الاجتماعية.
في سباق التتابع الذي بدأ ولن يتوقف، تنظر فلسطين المكلومة، المستفرد بها،
المفرّط بها، إلى الأيدي العربيّة الصلبة والشجاعة التي ترفع الشعلة، وتبدأ
في التنفس رغم القيد في يديها وقدميها، وتفاهة من أسلموها للعدو وتنازلوا
عن أرضها ومقدساتها، وراهنوا فقط على أن الحل، كما فعل السادات، في يد
أمريكا، وهادنوا الكيان الصهيوني، وانضووا تحت عباءة نظم التبعيّة وفي
المقدمة منها نظام كامب ديفد.
حلف أعداء الأمة ـ وهذا تعبير ثوري واقعي عملي، وليس كلاما خشبيّا ـ
متفاجىء من ثورة شعب مصر، وهو في حيرة مما يحدث في ميدان التحرير، قلب
القاهرة العريقة، الذي أعادت جماهير مصر العظيمة تسميته فصار
ميدان(الحريّة)، فقبل أسبوع كانوا في الإدارة الأمريكيّة والكيان الصهيوني
ينامون على وهم استقرار سلطة مبارك، واختلاف الأوضاع في مصرعن تونس.
صحافة الكيان الصهيوني بدأت تلوم جهاز الموساد الذي تباهى رئيسه السابق
(داغان) قبل أقل من شهر، بأن جهازه زرع في مصر ما لايمكن لأي نظام قادم أن
يتخلص منه!
واضح أن أمريكا والكيان الصهيوني، وأجهزتهما الاستخبارية المتوغلة في مصر
لم تحسب حسابا لشعب مصر العظيم، وهنا يتأكد من جديد غباء من يخططون،
ويتآمرون، لأنهم ينسون (روح) الشعوب التي لا تموت!
الثورات العربيّة المتتابعة، المتوالية، سيكون حاصل جمعها، وما يتوّج
مسيرتها المظفرة: امتلاك الأمة لمصيرها، شعوبا يجمعها الكثير، شعوبا ستُسقط
ما زرعه الاستعمار منذ سايكس ـ بيكو، والكيان الصهيوني الذي استنفد الكثير
من طاقة الأمّة، وكان الحليف الظاهر والمخفي لنظم التبعية (العربية).
ليس صدفة أن نقرأ رسائل أخوتنا عرب تونس إلى أهلنا في مصر، تقترح عليهم
تقديم الخبرات التي استفادوها من ثورتهم، وأن يتكرر اسم تونس كثيرا على
ألسنة أبناء وبنات شعب مصر الثائرين في كل مدن مصر، عرفانا وتقديرا.. أليست
المعركة واحدة؟!
وليس مستغربا البتة من نراه، ونسمعه على وجوه وألسنة أبناء وبنات الأمة
مشرقا ومغربا، ممن تنقل الكاميرات انحيازهم لثورة شعب مصر، كما انحازوا من
قبل لثورة شعب تونس.
ملايين العرب يتابعون بلهفة ثورة شعب مصر العظيم، لأنهم يرون بأن انتصار هذه الثورة
سيعيد مصر إلى نفسها، إلى دورها، إلى حضورها، إلى سدّة القيادة للأمة،
ويخرجها من معسكر الأعداء، وخدمة مخططاتهم في الوطن العربي..أو ما يُسمّى
بالشرق الأوسط (الجديد)!
ثورة شعب مصر هي ثورة فارقة، ولذا بدأت الإدارة الأمريكيّة في التحرّك علنا
وسرّا، ولا عجب أن نقرأ ما كتبه الأستاذ هيكل، من أن نتنياهو عرض باسم
الكيان الصهيوني على مبارك تقديم كل ما يطلب منه!
إدارة أوباما تدعو لانتقال سلس للسلطة!..يعني لاستلام وتسليم من رئيس كامب
ديفد إلى رئيس جديد يضمن استمرار حراسة أمن الكيان الصهيوني!
الأمة تنحاز لثورة مصر، لأنها ثورتها، وفيها مستقبلها، ليس لتحارب عنها كما
كان السادات، ومن بعده مبارك، يروجان، ولكن لتستعيد مصر مكانتها، ودورها
الذي سلب منها، ولتكون مع الأمة، والأمة معها..في مواجهة حلف الأعداء.
مصر استضعفت إلى حد أنها مهددة بالعطش، وبتآمر صهيوني على النيل شريان الحياة بالنسبة لمصر!
مصر نهبت من مصاصي دمها الذين ظهروا في زمن الانفتاح الذي دشنه السادات.
مصر يعيث فيها الفساد، ويستوطن فيها إرهاب أجهزة القمع..وكل أمراض مصر هي
أمراض تفتك بالأقطار العربيّة، فالحال واحد، ولذا فالآمال واحدة، والغضب
واحد، وكراهية نظم الحكم واحدة.
وصفت ثورة شعب مصر بأنها ثورة الشباب، وهذا صحيح، فشباب مصر بلا حاضر ولا
مستقبل- وشباب الأمة حالهم واحدـ وهم يصنعون مستقبلهم بدمهم!
ووصفت بأنها ثورة الفيس بوك.. ولقد أعجبتني إجابة أحد المدونين الشباب صباح
أمس الثلاثاء لإذاعة الـbbc: نحن لسنا ثورة الفيس بوك.. لقد أوقفوا
الإنترنت، والفيس بوك، ولكننا نجد ملايين الطرق للتواصل..العمال في المصانع
بدأوا ينضمون للثورة، وهم يطردون مدراء الإدارة، ويديرون المصانع ذاتيا..
في ثورة مصر: رجال كهول عاشوا كل أزمنة الهزائم، وسرقة الانتصارات. وفي
ميدان الحريّة نساء وفتيات انغلقت أمامهن، وأمام رجالهن أبواب المستقبل.
وفي الساحة مثقفون، وفنانون، وكتاب، وصحافيون، وموسيقيون..ولا يقلل من عظمة
دور المثقفين أن (واحدا) منهم خذلهم بقبوله الجلوس على مقعد فاروق حسني في
الوزارة المباركية!
سلطة مبارك، وأجهزته، وأدواته، تحاول إعاقة ثورة شعب مصر، فمصالحها
وامتيازاتها أهم عندها من مصير مصر وشعبها، وأثمن من حرية مصر ومستقبلها،
ومن كرامة الإنسان المصري الذي تحمّل الكثير.
شعب مصر لن يوقف ثورته، وإغلاق عين الجزيرة وغيرها من الفضائيات لن يغلق عيون مصر المفتوحة على المستقبل.
وإيقاف حركة القطارات لن يوقف مسيرة قطار ثورة شعب مصر...
سباق التتابع سيستمر، وأيدي شعوب العرب ترتفع متلهفة لحمل الشعلة والركض
بها إلى مستقبلها الحر الكريم، مخلفة الطغاة في الوحل والظلام والعار الذي
يجللهم...