الكبر هو العظمة والارتقاء بالذات بشىء دخيل في النفس أى أن الإنسان يصف نفسه بالكمال إلا أن الكمال لله سبحانه وتعالى، وهو من الأخلاق الرديئة، والذنوب العظيمة .. وداء الكبر يجعل المرء يعيش الوهم بكل معانية، يحسب بسببه المرء نفسه في أعين الناس عظيما، وهو عندهم حقير ذليل لكبره، داء له آثاره الوخيمة المدمرة.
وتظهر سمات الكبر في سلوكيات مرضاه، إذ يحاول المتكبر أن يتعالى بكلامه وحركاته وسكناته، ليضع نفسه في مكانة أعلى من الآخرين.
وقال الرسول إن "الكبر هو بتر الحق، وغمص الناس" أى أن شخص ما يبتر عن النعمة أى يكره الحق، وغمص الناس أى احتكار الناس ، فالكبر شىء كبير، والله عزل وجل حينما خلق جنة عدن نظر الله وقال لها "انت حرام على المتكبرين".
بهذه الكلمات بدأ الشيخ فرحات المنجى أحد كبار علماء الازهر الشريف حلقته في برنامج "الحياة والناس" على قناة الحياة حول موضوع "الكبر" في محاولة للتعرف عليه ومحاولة معالجته.
وأوضح الشيخ فرحات أن السيئة التى لا ينفع محوها بالحسنة هى "الكبر"، حيث قال رسول الله "إن الحسنات يذهبن السيئات"، إلا أن سيئة الكبر لا يمحوها أي شيء إلا إذا تاب العبد وخلع شجرة الكبر من قلبه نهائيا وجاهد في قلعها.
نشأة الكبر
وعن بداية الكبر في النفس الكبر يقول الشيخ فرحات أنه ينشأ من الجهل في رؤية الشخص لنفسه على أنه أعظم من الغير في العقل أو أنه أعلى من الجميع أو أن يكون مغترا ببدنه أو بجمال شكله أو بماله أو بأولاده، وينمو هذا الشعور عند الشخص بسبب وسوسة الشيطان.
وأشار الشيخ فرحات إلى أن الكبر هى أول جريمة تعصى في الأرض عندما استكبر ابليس أن يسجد لادم عليه السلام عندما أمر الله سبحانه وتعالي الملائكة بالسجود له فسجدوا جميعا ما عدا ابليس أبى واستكبر .. فالكبر أن يرى الشخص نفسه فوق الجميع، أما الغرور أن يعجب الشخص بنفسه ولا يقول لأحد عن نفسه حاجة أما الكبر فيه شىء من الحسد.
وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه حبة خردل من كبر".
وقال أيضا: "يقول الله تعالى: "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما ألقيته في جهنم ولا أبالي".
وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف متضاعف لو أقسم على الله لأبره ألا أخبركم بأهل النار كل عتل جواظ مستكبر" .
الشيخ فرحات سعيد المنجي
وشدد الشيخ فرحات على أن الكبر يعذب صاحبه في الدنيا والأخرة، حيث قال رسول الله " ثلاثة لا يكلمهم الله ولاينظر إليهم ولهم عذاب أليم شيخ زانا، وعائل مستكبر وملك كاذب" . فالعائل الذى يعول اسرته وفقير ومتكبر فأنه لايجعل في قلوب الاغنياء رحمه تجاهه فالكبر صفة ذميمة على الجميع.
لماذا يتكبر الإنسان؟
قد يكون الكبر ناتجاً عن شعور بالنقص أو شعور بالكمال، فهو في كلتا الحالتين ناتج عن إدراك خادع للذات، فإذا توافرت في يد الشخص الأدوات التي يعبر بها عن هذا الشعور الخادع ظهر الكبر في سلوكه.
والإنسان محب لنفسه بالأصالة ساع إلى تجميل ذاته وتزينها. وتكمن مشكلة المتكبر في أنه يرى نفسه شيء كبير للغاية، وقد يعلم عن نفسه النقص في جانب من الجوانب لكنه يعتز بذلك النقص إعزازا ينسيه مساوئه.
والمتكبر مصطلح مع نفسه في مواطن الفخار، ولكنه متصارع مع نفسه ومختل في توازنه، لذلك فأكثر المتكبرين سريعو الغضب لأنفسهم، لا يطيقون المكوث في مكان لا يعبرون عن أنفسهم فيه، كما أن كثيرا من المتكبرين على علاقة سيئة بالمحيطين بهم.
ولا شك أن التمييز بين الشعور الباطن والتصرفات الظاهرة سيوجهنا عند المعالجة حتى نعرف ماذا نعالج؟ فالذي يعالج هو ذلك الشعور الناشئ عن أفكار واعتقادات خاطئة، فإذا تعدلت الأفكار تغيرت طريقة التصرف تبعاً لها.
سبل العلاج
ويستعرض المنجي مراحل العلاج من الكبر بأنها تبدء بالوعي بهذا الخلق، وضرورة تعديله، وقدم القرآن العلاج لهذا المرض الخبيث: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}. فإذا تغيرت نظرته للمرض، وأصبحت موازينه في الحكم عليه هي موازين الإسلام، اجتهد للتخلص منه بخطوات العلاج العملي والعملي.
فالعلاج العلمي هو الاستفادة من القرآن والسنة، وأن يعدل أفكاره عن نفسه، ليكون نظرة صحيحة عن الذات: "الضعيف الفقير الذليل الذي ما يلبث عمره أن ينتهي في أية لحظة وما يلبث أن يمرض بأصغر وأقل فيروس أو بكتيريا، وما يلبث أن ينقطع جهده بأقل مجهود أو عمل". يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إلى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}.
ونصح الغزالي المريض بالكبر: "أن يعنف نفسه، ويعرف ربه تعالى، ويكفيه ذلك في إزالة الكبر؛ فإنه مهما عرف نفسه حق المعرفة، علم أنه أذل من كل ذليل، وأقل من كل قليل، وأنه لا يليق به إلا التواضع".
وفشلت جميع الأدوية البعيدة عن الإيمان في علاج الكبر؛ لأنه ينمو في بيئة الأثرة وحب الذات، وأما العلاج الإيماني فهو النافع فيه إذ يأمر الإيمان بالحرص على مصلحة الآخرين والتواضع لهم وخفض الجناح قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ}.
إن الموازين الإسلامية القائمة على التفاضل بالتقوى والعمل الصالح هي التي تمنع التكبر بالمال والنسب والعلم والجمال والقوة وغيرها؛ فيدخل علاج الكبر في منظومة متكاملة لتربية الشخص على التعامل بموازين الإسلام في الحياة.
ومن علاج الكبر مقاومة مظاهره السلوكية بالمواظبة على أخلاق التواضع، والاطلاع على سير المتواضعين والتأسي بهم، وصحبة أهل التواضع والفقراء ومجالسة المساكين، وتصنع التواضع، وكسر شوكة النفس كلما كبرت.