"إذا انقدحت شرارة الفتنة الطائفية فإن الخاسر هو الوطن"، بهذه الجملة ختمت حوارا مستفيضا مع أحد أحبتي من طلبة العلم الشرعي، حيال القضية التي شغلت – ولا تزال – الساحة الفكرية والإعلامية المحلية، بعدما أطلق الشيخ محمد العريفي وصف "الزنديق" تجاه المرجع الشيعي العراقي السيد علي السيستاني.
لا أزايد بموقفي ورؤيتي التي تروم ضرورة التقارب والتفاهم بين الطائفتين لصالح هذه الأمة، وقد كتبت كثيرا في هذا الشأن، بل وترجمت ذلك بأن شرُفت بإلقاء محاضرات في القطيف العزيزة بالسعودية، وبين أخوة كرام هناك، وضافني الشيخ حسن الصفار وغيره من شركائنا في هذا الوطن.
غير أن ذلك لا يمنعني أبدا من إبداء وجهة نظر وعتاب حيال غضبة أخوتنا الشيعة، خصوصا وقد استفاض الزملاء الكتبة في هذه الصحيفة وغيرها في تخطئة الشيخ العريفي، ذلكم هو التصعيد الذي قام به أخوتنا وانتصارهم لمرجعهم السيد علي السيستاني، وهو موقف أتفهمه وأقبله إذا تزامن فقط بالاستنكار لما تقوله بعض المراجع الشيعية العراقية والإيرانية بحق هذا المجتمع وقادته، ولن أسوّد هذه الصحيفة بسرد العفن والقذارة الذي يقيؤه أولئكم في منابرهم وما يصفوننا به كأهل سنة، وتطاولهم – وهم الأقزام - على رمزنا الأكبر في هذا الوطن.
كنت أتفهم أن يصمت الشيخ حسن الصفار – وهو داعية الوحدة والالتفاف حول الوطن – وبقية أهلنا في القطيف، ولا يلتفت إلى هذه الشتائم القبيحة من تلكم المراجع لأننا كبار، ولا يضيرنا الالتفات إلى نباح بضعة موتورين، لكن أن ينتفضوا غضبا ويثوروا ويطالبوا بالتجريم والمحاكمة انتصارا للسيد السيتاني، هو ما جعلني أدهش من هذا الموقف، وخصوصا إن في الموقع الرسمي للسيد السيستاني فتوى بحقنا نحن كأهل السنة في انطباق الكفر علينا، وبأننا غير مسلمين، وكان من الأولى مناصحته أيضا .
لا حلّ أبدا لهذه المعضلة الطائفية إلا بما طرحه الشيخ حسن الصفار قبلا بضرورة إقرار وثيقة للتعايش الطائفي، وسنّ قانون يجرّم المساس بالرموز الطائفية، ولمرات طرحت بضرورة أن يباشر مركز الحوار الوطني مثل هذا المشروع، وكاتبت- وأنا أرى ما فعلته الفتنة الطائفية في العراق- معالي الأستاذ فيصل المعمر، بضرورة أن يقوم مركز الحوار الوطني بدور تاريخي في هذا الموضوع، عبر دعوة ثلة من المختصين والرموز والعلماء من الطائفتين تحت قبته الحرة.
وليتناقشوا بكل شفافية ويضعوا النقاط على الحروف ويقروا وثيقة تعايش ترفع للمقام السامي، ليصدر فيه قرارا يلتزمه الجميع، ولعله سيكون أنموذجا حقيقيا تستنسخه بقية الدول الإسلامية، وقد أكدّ بنجاعة هذا الحلّ الدكتور وليد الطبطبائي عضو مجلس الأمة الكويتي- في حلقة فضائية بقناة دليل – وقال بأن مثل هذا القانون موجود في الكويت، وحدّ كثيرا من الملاسنات الطائفية.
وعودا لصديقي طالب العلم الشرعي، وقتما قلت برؤيتي هذه واحتج، بادرته بأننا كأهل سنة، سنفيد كثيرا، لأن منهجنا لا يقوم على الشتم ولا الانتقاص، وأمامنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بما جاء في صحيح مسلم "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء".
بل إن هذا المشروع سيساعد أحبتنا من أهل الاعتدال في طائفة الشيعة الذي يرون تحريم سبّ صحابة رسول الله والنيل من أمهات المؤمنين، ضد الغلاة في طائفتهم، ومن يُرصد أنه ينال من صحابة رسول الله سيقع تحت طائلة القانون ويحاسب نظاما.
آن الأوان لأن يتحرك العقلاء، وينفضوا عنهم هذا الصمت المميت، لأجل وطن هو في الصميم من قلوبنا.
بقلم :عبد العزيز محمد قاسم
صحيفة المصريون
26/1/2010