تقديم:
الحمد لله، والصلاة على رسول الله، سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
فهذه هي الوثيقة الإسلامية الثانية، يعلنها المجلس الإسلامي الدولي للعالم.. متضمنة حقوق الإنسان في الإسلام.
ومن قبل أصدر المجلس الوثيقة الأولى "البيان الإسلامي العالمي"[1]. عن النظام الإسلامي متضمنة الأطر العامة لهذا النظام.
وإنه
لمن دواعي التفاؤل أن ييسر الله صدور الوثيقتين في مستهل القرن الخامس عشر
الهجري ومع تصاعد الحركة الإسلامية، التي تؤذن بصحوة الأمة، والتقاء
شعوبها على كلمة جامعة.. دعوة صادقة للعودة إلى منهاج الله تعالى، وسعيا
حثيثا لإعادة صياغة المجتمع الإسلامي على أصول هذا المنهاج.
إن
حقوق الإنسان في الإسلام ليست منحة من ملك أو حاكم، أو قرارا صادرا عن
سلطة محلية أو منظمة دولية، وإنما هي حقوق ملزمة بحكم مصدرها الإلهي، لا
تقبل الحذف ولا النسخ ولا التعطيل، ولا يسمح بالاعتداء عليها، ولا يجوز
التنازل عنها.
ووثيقة
حقوق الإنسان في الإسلام – التي نعلنها اليوم – ثمرة طيبة لجهد مخلص أمين،
توافر له، وتعاون عليه نخبة صالحة من كبار مفكري العالم الإسلامي، وقادة
الحركات الإسلامية فيه، وقد ارتفعوا بها فوق الواقع الراهن، بما يلابسه من
اعتبارات الزمان والمكان والأشخاص الخاصة ببيئة أو شعب، فجاءت بحمد الله
وتوفيق منه معبرة عن تمثل صحيح وشامل لحقوق الإنسان، مستمدة من كتاب الله
تعالى وسنة رسوله "صلى الله عليه وسلم".
إن
المجلس الإسلامي الدولي – وهو يعلن للعالم كله هذه الوثيقة – ليأمل أن
تكون زادا للمسلم المعاصر، في جهاده اليومي، وأن تكون دعوة خير لقادة
المسلمين وحكامهم: أن يتواصوا بالحق فيما بينهم وبين أنفسهم، وفيما بينهم
وبين غيرهم تواصيا ينتهي بهم إلى مراجعة جادة لمناهج حياتهم، وطرائق حكمهم،
وعلاقاتهم بشعوبهم وأمتهم، وإلى احترام "حقوق الإنسان" التي شرعها الإسلام، الذي لا يقبل من مسلم أن يتجاهله، أو يخرج عليه.
كما
يأمل المجلس: أن تلقى هذه الوثيقة ما هي جديرة به من عناية المنظمات
المحلية والدولية، التي تعنى بحقوق الإنسان، وأن تضمها إلى ما لديها من
وثائق، تتصل بهذه الحقوق، وتدعو إلى إقرارها في حياة الإنسان حقيقة واقعة.
والله
تعالى اسأل: أن يجزي خيرا كل من شارك في إعداد هذه الوثيقة، وأن يفتح لها
القلوب، والضمائر، والعقول، بما يحقق ما نرجوه من التجديد الحق لحياة
المسلمين.
باريس 21 من ذي القعدة 1401 هـ
19 سبتمبر (أيلول) 1981 م
الأمين العام
سالم عزام
مدخل
شَرَّع
الإسلام – منذ أربعة عشر قرناً – "حقوق الإنسان" في شمول وعمق، وأحاطها
بضمانات كافية لحمايتها، وصاغ مجتمعه على أصول ومبادئ، تمكن لهذه الحقوق
وتدعمها.
والإسلام
هو ختام رسالات السماء، التي أوحى بها رب العالمين إلى رسله – عليهم
السلام – ليبلغوها للناس، هداية وتوجيها، إلى ما يكفل لهم حياة طيبة كريمة،
يسودها الحق والخير والعدل، والسلام.
ومن
هنا كان لزاماً على المسلمين أن يبلغوا للناس جميعاً دعوة الإسلام،
امتثالاً لأمر ربهم (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)
"آل عمران: 104"، ووفاء بحق الإنسانية عليهم، وإسهاماً مخلصاً في استنقاذ
العالم مما تردى فيه من أخطاء، وتخليص الشعوب مما تئن تحته من صنوف
المعاناة.
ونحن معشر المسلمين – على اختلاف شعوبنا وأقطارنا – انطلاقاً من: عبوديتنا لله الواحد القهار..
ومن:
إيماننا بأنه ولي الأمر كله في الدنيا والآخرة، وأن مردنا جميعا إليه،
وأنه وحده الذي يملك هداية الإنسان إلى ما فيه خيره وصلاحه بعد أن استخلفه
في الأرض، وسخر له كل ما في الكون..
ومن:
تصديقنا بوحدة الدين الحق، الذي جاءت به رسل ربنا، ووضع كل منهم لبنة في
صرحه حتى أكمله الله تعالى برسالة صلى الله عليه وسلم فكان كما قال صلى
الله عليه وسلم:
"أنا اللبنة – الأخيرة – وأنا خاتم النبيين ..."[2]
ومن تسليمنا بعجز العقل البشري عن وضع المنهاج الأقوم للحياة، مستقلاً عن هداية الله ووحيه...
ومن: رؤيتنا الصحيحة – في ضوء كتابنا المجيد – لوضع الإنسان في الكون، للغاية من إيجاده، وللحكمة من خلقه..
ومن: معرفتنا بما أضفاه عليه خالقه، من كرامة وتفضيل على كثير من خلقه...
ومن: استبصارنا بما أحاطه به ربه – جل وعلا – من نعم، لا تعد ولا تحصى...
ومن: تمثلنا الحق لمفهوم الأمة، التي تجسد وحدة المسلمين، على اختلاف أقطارهم وشعوبهم.
ومن: إدراكنا العميق، لما يعانيه عالم اليوم من أوضاع فاسدة، ونظم آثمة...
ومن: رغبتنا الصادقة، في الوفاء بمسئوليتنا تجاه المجتمع الإنساني، كأعضاء فيه...
ومن: حرصنا على أداء أمانة البلاغ، التي وضعها الإسلام في أعناقنا... سعياً من أجل إقامة حياة أفضل...
تقوم على الفضيلة، وتتطهر من الرذيلة...
يحل فيها التعاون بدل التنكر، والإخاء مكان العداوة...
يسودها التعاون والسلام، وبديلا من الصراع والحروب..
حياة يتنفس فيها الإنسان معاني:
الحرية، والمساواة، والإخاء، والعزة والكرامة..
بدل أن يختنق تحت ضغوط:
العبودية، والتفرقة العنصرية، والطبقية، والقهر والهوان..
وبهذا يتهيأ لأداء رسالته الحقيقة في الوجود:
عبادة لخالقه تعالى.
وعمارة شاملة للكون.
تتيح
له أن يستمتع بنعم خالقه، وأن يكون بارا بالإنسانية التي تمثل – بالنسبة
له – أسرة أكبر، يشده إليها إحساس عميق بوحدة الأصل الإنساني، التي تنشئ
رحما موصولة بين جميع بني آدم.
انطلاقا من هذا كله:
نعلن
نحن معشر المسلمين، حملة لواء الدعوة إلى الله – في مستهل القرن الخامس
عشر الهجري – هذا البيان باسم الإسلام، عن حقوق الإنسان، مستمدة من القرآن
الكريم و"السنة النبوية" المطهرة.
وهي – بهذا الوضع – حقوق أبدية، لا تقبل حذفا، ولا تعديلا... ولا نسخا ولا تعطيلا...
إنها
حقوق شرعها الخالق – سبحانه – فليس من حق بشر – كائنا من كان – أن يعطلها،
أو يتعدى عليها، ولا تسقط حصانتها الذاتية، لا بإرادة الفرد تنازلا عنها،
ولا بإرادة المجتمع ممثلا فيما يقيمه من مؤسسات أيا كانت طبيعتها، كيفما
كانت السلطات التي تخولها.
إن إقرار هذه الحقوق هو المدخل الصحيح لإقامة مجتمع إسلامي حقيقي...
1- مجتمع: الناس جميعا فيه سواء، لا امتياز ولا تمييز بين فرد وفرد على أساس من أصل، أو عنصر، أو جنس، أو لون، أو لغة، أو دين.
2- مجتمع: المساواة فيه أساس التمتع بالحقوق، والتكليف بالواجبات... مساواة تنبع من وحدة الأصل الإنساني المشترك.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى) "الحجرات: 13".
ومما
أسبغه الخالق – جل جلاله – على الإنسان من التكريم (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا
بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم
مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا
تَفْضِيلاً) "الإسراء: 70".
3- مجتمع: حرية الإنسان فيه مرادفة لمعنى حياته سواء، يولد بها، ويحقق ذاته في ظلها، آمناًَ من الكبت، والقهر، والإذلال، والاستعباد.
4- مجتمع: يرى في الأسرة نواة المجتمع، ويحوطها بحمايته وتكريمه، ويهيئ لها كل أسباب الاستقرار والتقدم.
5- مجتمع: يتساوى فيه الحاكم والرعية، أمام شريعة من وضع الخالق – سبحانه – دون امتياز أو تمييز.
6- مجتمع: السلطة فيه أمانة، توضع في عنق الحاكم، ليحقق ما رسمته الشريعة من غايات، وبالمنهج الذي وضعته لتحقيق هذه الغايات.
7-
مجتمع: يؤمن كل فرد فيه أن الله – وحده – هو مالك الكون كله... وأن كل ما
فيه مسخر لخلق الله جميعا، عطاء من فضله، دون استحقاق سابق لأحد، ومن حق كل
إنسان أن ينال نصيبا عادلا من هذا العطاء الإلهي: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ) "الجاثية: 13".
8- مجتمع: تقرر فيه السياسات التي تنظم شئون الأمة، وتمارس السلطات التي تطبقها وتنفذها "بالشورى" (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) "الشورى: 38"
9-
مجتمع: تتوافر فيه الفرص المتكافئة، ليتحمل كل فرد فيه من المسئوليات بحسب
قدرته وكفاءته، وتتم محاسبته عليها دنيويا أمام أمته، وأخرويا أمام خالقه
"كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"[3].
10- مجتمع: يقف فيه الحاكم والمحكوم على قدم المساواة أمام القضاء، حتى في إجراءات التقاضي.
11-
مجتمع: كل فرد فيه هو ضمير مجتمعه، ومن حقه أن يقيم الدعوى – حسبة – ضد أي
إنسان يرتكب جريمة في حق المجتمع، وله أن يطلب المساندة من غيره... وعلى
الآخرين أن ينصروه ولا يخذلوه في قضيته العادلة.
12-
مجتمع: يرفض كل ألوان الطغيان، ويضمن لكل فرد فيه: الأمن، والحرية،
والكرامة، والعدالة، وبالتزام ما قررته شريعة الله للإنسان من حقوق، والعمل
على تطبيقها، والسهر على حراستها... تلك الحقوق التي يعلنها للعالم: