هي ثورةٌ كبرى غير مسبوقة في التاريخ المصري بأكمله، بل هي إحدى أكبر الثورات في العالم، وفي رأيي هي أكبر من الثورة الفرنسيَّة والثورة البلشفيَّة والإيرانيَّة، وأيًّا كانت النتائج القريبة أو البعيدة, فإن الثورة قد انتصرت, والباقي تفاصيل قد تنجح القوى الشريرة في إجهاض هذا الجزء من الثورة الآن، وأتمنى ألا يحدث هذا، ولكنها ما تلبث أن تندلع من جديد، ولا ننسى أن الثورة الفرنسيَّة أو البلشفيَّة أو الثورة الإيرانيَّة قد نجحت في أيام، بل ربما شهور أو سنوات، ومراحل الثورة أمرٌ طبيعي.
ويجب علينا بدايةً أن نلتمس بعض دروس الثورة، أولها أن في مصر شعبًا خصبًا، وأنه قادر على التحرك، ولم يكن يتحرك؛ لأن القوى السياسيَّة لم تكن على المستوى المطلوب، وعندما تقاعست هذه القوى عن المبادرة، أفرز الرحم المصري شبابًا صغير السن لا ينتمي إلى لونٍ معين، ففجَّر الثورة، وجرَّ معه كل القوى السياسيَّة، وفي الحقيقة فإن هذه القوى قد احترمت نفسها، ولم تدَّعِ أنها فجَّرت الثورة، وهكذا فإن على الجميع الآن أن يتوقف عن عدم الثقة بالشعب وأن يبحث عن الخطأ في نفسه أو في تردُّدِه أو عدم مبادرته.
من دروس هذه الثورة أيضًا أن القوى المستكبرة والمستبدَّة هي عادة عنيدة، ولكنها دائمًا غبيَّة، فمن الملاحظ أن أخطاء هذا النظام ساهمت في تأجيج الثورة، وهذه القوى المستبدَّة تتميز ببطءِ التفكير، ولعلَّ هذا من غرائز الاستبداد، ونلاحظ هنا أن الثورة عندما اندلعت في 25 يناير، كان لها مطالب معيَّنة لو تَمَّت الاستجابة لها فورًا لهدأت الأمور ولو مؤقتًا، ولكنه الغباء وبطء التفكير الذي أجَّج الثورة, وكذلك فإن الطريقة التي خطب بها الرئيس مبارك فيما بعد نجحت في دغدغة شعور قطاع من الشعب؛ لأنه شعب عاطفي ولكن غباء النظام من جديد أهدر ذلك، عندما حاول البلطجية الاعتداء على المتظاهرين في التحرير يوم الأربعاء 2 فبراير وما بعده، ألغت الأثر الإيجابي لخطاب الرئيس سريعًا، بل حقَّقت فضيحة عالميَّة للنظام، وكذا الاعتداء على الصحفيين ووكالات الأنباء وغيرها من حماقات النظام، فبديهي أن الصحافة والقنوات الفضائيَّة ستجد طريقًا أو آخر لنقل الصورة والرأي، ولم تعدْ تجدي تلك الأساليب العتيقة، إنها مواجهة بين الجمل والحصان واللاب توب.
من دروس الثورة أن أجهزة القمع في النهاية شديدة الضعف, ولم يكن أحد يتصوَّر أن جهاز الشرطة المصرية يسقط بعد ثلاثة أيام من بدء الثورة.
من دروس الثورة أيضًا أن الاحتجاج وليس المطالب، هي الطريقة لانتزاع الحقوق، كل الحقوق أو بعضها، ومما لا شك فيه أن محاولة حكومة النظام الجديدة توفير المواد التموينيَّة أو عدم المساس بالدعم أو الحديث عن تغييرات دستوريَّة أو محاولة إرضاء الناس، كلها من إنجازات شباب التحرير.
من دروس الثورة أيضًا الدعم الخارجي لنظام مستبدّ ليس أمرًا مطلقًا، فالتحول في الموقف الأمريكي والأوربي يعني أن هؤلاء لن يدعموا الاستبداد إلى النهاية، لأن ذلك سيجرُّ المنطقة والعالم إلى وضعٍ أسوأ، والموقف الأمريكي والأوربي ليس تخليًا عن نظام مستبدّ، بل تخلصٌ من عبء هذا النظام، ومن وصول الأمور إلى صورة أسوأ بالنسبة لهم على الصعيد السياسي والاستراتيجي، فهم يعرفون أن التغيير الآن يأتي بنظام ليس معاديًا لهم، ولكن الاستجابة بعد الآن ربما يقود إلى نظام معادٍ للغرب، وقد لعب النظام المصري على فزَّاعة الإخوان، ولكنها لم تعدْ تنطلِ على أحد.
على قدر غباء النظام كان هناك ذكاء الإخوان المسلمين، واعتُرف أنهم أداروا المسألة بذكاءٍ شديد، فهم قد لحقوا بالفعل بقطار الثورة قبل غيرهم، وهم لم يحاولوا صبغ الثورة بصبغتهم، بل رفعوا مع المتظاهرين مطالب دولة مدنيَّة وديمقراطيَّة وحقوق إنسان، بل أعلنوا أنهم لن يتقدموا بمرشح من الإخوان للرئاسة، ولن يزيد عدد مرشحيهم إلى مجلس الشعب عن 30%، وقد أحدث هذا ارتياحًا داخليًّا، وهي أيضًا رسالة للخارج حتى لا تستغلّ فزاعة الإخوان.
وفي هذا الصدَد يجب أن نعترف بفضل الإخوان في تزويد المتظاهرين بالطعام والماء والمستشفيات الميدانيَّة وتحقيق التماسك أمام هجمات البلطجيَّة، ولعلَّ ذلك سينعكس إيجابيًّا على موقف فئاتٍ كبيرة من المتظاهرين تجاههم، بل موقف فئات كثيرة من المتظاهرين لصالحهم.