يمتلك العالم الإسلامي العديد من المقومات الاقتصادية كالثروات الطبيعية والموارد البشرية الكبيرة التي تمكّنه من تكوين هياكل إنتاجية ضخمة، وسوقاً واسعة لتبادل منتجات العمل كما يمكن أن يكون مراكز مالية عالمية للتمويل والاقتراض والاستثمار. وهذا يؤيّد إمكانية تكتل اقتصادي إسلامي عالمي يقوّي من إمكاناته التفاوضية مع التكتلات الاقتصادية العالمية القائمة حالياً. وهذا يؤدي بدوره إلى تحقيق نمو اقتصادي بمعدلات كبيرة نسبياً تحقق التقدم والرفاهية في الدول الإسلامية.
يتم تصنيف الدول الإسلامية ضمن مجموعة البلدان النامية، فهي تعاني من التخلّف والتبعية والنشاط الاقتصادي فيها متعثّر. لذلك فان أي تكامل اقتصادي بينها سيؤدي إلى تحسين مستوى الأداء الاقتصادي والنهوض باقتصادياتها، ما قد يشكّل تهديداً للمصالح الاقتصادية للدول الصناعية المتقدمة التي ترغب بأن تبقى الدول الإسلامية كسوق لتصريف منتجاتها، ومورداً لمصادر الطاقة والمواد الخام. قبل الحديث عن التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية أو السوق الإسلامية المشتركة لابدّ من تعريف التكامل الاقتصادي ومراحله وأشكاله.
أشكال ومراحل التكامل الاقتصادي: يعرّف التكامل الاقتصادي على أنه تنسيق بين دولتين، أو مجموعة من الدول يقوم على أسس الغرض منها إلغاء التباين والتمايز بين الوحدات الاقتصادية وتكتيل النشاط الاقتصادي لهذه الدول.
يمرّ التكامل الاقتصادي يبن دولتين أو مجموعة من الدول بأشكال ومراحل عديدة: تبدأ المرحلة الأولى بالتفضيل الجزئي، ويقصد به مجموعة من الإجراءات التي تتخذها دولتان لتخفيف القيود المعرقلة لتبادل المنتجات فيما بينها، كأن تتفق دول منطقة معينة على إلغاء نظام الحصص الذي تخضع له المبادلات التجارية فيما بينها، مع إبقاء الرسوم الجمركية، أو أن تتفق دول معينة على أن يعطي بعضها بعضاً امتيازات جمركية متبادلة.
المرحلة الثانية - منطقة التجارة الحرة:
وهي عبارة عن اتفاق بين دولتين أو أكثر يتمّ بموجبه تحرير التجارة الخارجية وإلغاء الرسوم الجمركية المفروضة على المبادلات التجارية فيما بينها، مع احتفاظ كل دولة بحريتها في فرض القيود أو الرسوم الجمركية في علاقاتها التجارية مع بقية دول العالم (غير الأعضاء في اتفاق منطقة التجارة الحرة). وتعد منطقة التجارة الحرة أحد صور التكامل الاقتصادي، ومن الأمثلة البارزة لمنطقة التجارة الحرة، منطقة التجارة الحرة الأوروبية.
المرحلة الثالثة - الاتحاد الجمركي:
اتفاق يتمّ بين دولتين أو مجموعة من الدول حول إلغاء الرسوم الجمركية على البضائع التي يتمّ مبادلتها بين دول الاتفاق. وهذا يعني أن تقوم الدول الأعضاء في الاتحاد الجمركي بتحرير التجارة الخارجية، وإزالة القيود الجمركية على المبادلات التجارية فيما بينها، وتطبيق التعرفة الجمركية الموحّدة والمشتركة على البضائع التي ترد إلى دول الاتحاد من الدول غير الأعضاء في الاتحاد.
ومن أهم مزايا الاتحاد الجمركي:
1 - يساعد على توسيع رقعة السوق بالنسبة لبضائع ومنتجات الدول الأعضاء في الاتحاد.
2 - يساعد على تقسيم العمل بين الدول الأعضاء في الاتحاد، بحيث تتخصص كل دولة في إنتاج السلع التي تتمتّع بميزة نسبية في إنتاجها.
ويعد الاتحاد الجمركي أحد صور التكامل الاقتصادي، ومن الأمثلة البارزة للاتحاد الجمركي (السوق الأوروبية المشتركة ).
المرحلة الرابعة - السوق المشتركة:
وهي عبارة عن اتفاق بين دولتين أو مجموعة من الدول يتمّ من خلالها إلغاء القيود على انتقال عناصر الإنتاج، كالعمل ورأس المال، وانتقال المنتجات والبضائع فيما بين دول السوق، وبذلك تكون الدول الأعضاء في الاتفاق سوقاً موحدة يتمّ في إطارها انتقال السلع والأشخاص ورؤوس الأموال بحرية تامة. وهي تُعد إحدى صور التكامل الاقتصادي. ومن الأمثلة البارزة على السوق المشتركة، (السوق الأوروبية المشتركة).
المرحلة الخامسة - الاتحاد الاقتصادي:
وهو عبارة عن اتفاق بين دولتين أو مجموعة من الدول تتسّع فيها إجراءات التكامل الاقتصادي إلى جانب ميزات السوق المشتركة فيما بين الدول الأعضاء في الاتفاق، لتشمل تنسيق السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية والسياسات الاجتماعية وتشريعات العمل والضرائب.
ويعد الاندماج الاقتصادي أعلى مرحلة من مراحل التكامل الاقتصادي، فهو يتضمن إضافة إلى ما نصت عليه اتفاقية الاتحاد الاقتصادي والسوق المشتركة في المراحل السابقة، توحيد السياسات الاقتصادية كافة، وإيجاد سلطة إقليمية عليا، وجهاز إداري مسؤول عن تنفيذ هذه السياسات. وفي هذه المرحلة من التكامل الاقتصادي توافق كل دولة عضو على تقليص سلطاتها التنفيذية الذاتية وخضوعها في كثير من المجالات للسلطة الإقليمية العليا، وهذا يعني الوصول إلى التكامل الاقتصادي التام.
مبررات التكتل الاقتصادي الاسلامي:
لا شكّ أن الدول الإسلامية تعاني الكثير من المشاكل والصعوبات الاقتصادية، كما في باقي الدول النامية لذلك، فهي بحاجة ماسة لإقامة تكتل اقتصادي عالمي فيما بينها. وتبدو أهمية ومبررات قيام هذا التكتل بالعوامل التالية:
• اختلاف وتباين الموارد الطبيعية والبشرية التي تملكها كل دولة.
• اختلاف الموارد المالية (دول عجز ودول فائض).
• ضيق حجم الأسواق الداخلية لكل دولة منفردة وعدم قدرتها على إقامة مشروعات حديثة وكبيرة الحجم.
• ضعف المركز التفاوضي والتنافسي لهذه الدول في علاقاتها الاقتصادية الدولية.
• انخفاض الإنتاجية، وشدة التبعيّة للدول المتقدمة.
• بلغ عدد سكان الدول الإسلامية في عام 1994 حوالي 1.15 مليار نسمة يتوزعون على 53 دولة. بنسبة 21.5% من إجمالي سكان العالم.
• تملك الدول الإسلامية حوالي 73.0% من الاحتياطي العالمي من النفط وتنتج 38.5% من الإنتاج العالمي. كما تملك حوالي 40% من الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي. يُلاحظ أن 90% من صادرات هذه المواد تتم كمادة خام غير مصنعة.
• تمتلك الدول الإسلامية مساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة تصل إلى حوالي 80 مليون هكتار، ولم يتم استغلالها حتى الآن وتستورد الدول الإسلامية مواداً غذائية من الخارج بمبالغ كبيرة جداً تزيد عن 35 مليار دولار سنوياً.
• تمتلك الدول الإسلامية فوائض مالية كبيرة قد تصل إلى أكثر من 800 مليار دولار مودعة في البنوك الغربية.
• لم يتجاوز حجم التجارة البينية للدول الإسلامية 11,5% من إجمالي تجارتها الخارجية.
• يمكن أن يلعب العامل الديني دوراً كبيراً في تآزر الدول الإسلامية من أجل التكامل الاقتصادي ومواجهة التحديات المشتركة التي تفرضها الظروف العالمية، وبخاصة الاتجاه نحو التكتلات الاقتصادية الكبيرة والعولمة.
أهمية التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية:
تبدو أهمية التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية من خلال عدد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية نذكر منها:
1 ـ الموارد الغنية التي تمتلكها الدول الإسلامية.
2 ـ مقوّمات التكامل الاقتصادي فيما بين الدول الإسلامية.
3 ـ الطبيعة الدينية لهذا التكتل الاقتصادي.
5 ـ نتائج التكامل الاقتصادي الإسلامي.
يستمد التكامل الاقتصادي الإسلامي مشروعيته من عناصر كثيرة أهمها: أن الدين الإسلامي دعا المسلمين إلى التعاون والوحدة والإخاء في مختلف جوانب الحياة، ومنها النشاط الاقتصادي. حيث دعا الإسلام إلى حرية التبادل التجاري بين الدول الإسلامية وإلغاء الرسوم الجمركية، (لا يدخل الجنة صاحب مكس). ومنع فرض الرسوم على المبادلات التجارية بين الدول الإسلامية له ما يبرره، فهذا المال هو لمسلم ويخضع لالتزام مالي هو الزكاة، فإذا فرضت رسوم جمركية فإن هذا يعني تكرار فرض الالتزام المالي (الزكاة + الرسم الجمركي).
وهكذا يصبح تشريع حرية التبادل التجاري بين الدول الإسلامية متعلقاً بالتكامل الاقتصادي الإسلامي، عندما ينطلق من أن الدول الإسلامية تُعد بلداً واحداً، فلا تفرض رسوماً عند عبور الحدود بين الدول الإسلامية، وهي من وجهة نظر الإسلام حدود غير شرعية.
ـ الطباع الإسلامية تكاد تكون متماثلة مستندة إلى الشريعة الإسلامية، وهذه الطباع يمكن أن تُترجم إلى سلوك اقتصادي متشابه إلى حد ما.
ـ للمسلمين تاريخ مشترك خلق مصالح مشتركة، ومنها المصالح الاقتصادية وأنشأ بين المسلمين أنماطاً متشابهة من السلوك الاقتصادي، وهو واضح في عقود البيوع والمرابحة.
أهم المزايا التي يحققها التكامل الاقتصادي الاسلامي:
ومن الممكن أن يحقق التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية العديد من المزايا أهمها:
ـ تقسيم العمل الإسلامي الدولي: وهذا يعني إقامة المشروعات الإنتاجية الضخمة على أساس التخصص والمزايا النسبية، ما يؤدي إلى رفع الكفاءة الإنتاجية وخفض التكاليف، وهذا يحقّق مصلحة المنتج والمستهلك.
ـ اتّساع السوق وإقامة مشروعات إنتاجية كبيرة: مما يؤدي إلى حدوث وفورات في الإنتاج وزيادة في المنافسة بين المشروعات التي كانت تقوم في أسواق تواجه صعوبات كبيرة في تصريف منتجاتها. كما أن اتساع السوق ينمّي روح الإبداع والمبادرة والاهتمام بموضوع البحث العلمي والدخول في استثمارات مهمة وكبيرة في مصلحة الجميع.
ـ زيادة إمكانية وحجم الاستثمار في ظلّ التكامل الاقتصادي، الأمر الذي يؤدّي إلى زيادة النشاط الاقتصادي وزيادة الدخول، وبالتالي تزايد المدّخرات التي تساعد على زيادة الاستثمارات.
ـ يؤدي التكامل الاقتصادي إلى حرية انتقال رأس المال والعمال من الدول التي تقلّ فيها الإنتاجية الحدية إلى الدول التي ترتفع فيها هذه الإنتاجية.وبذلك يكون انتقال رأس المال والعمال في مصلحة الدول المرسلة والدول المستقبِلة، ويؤدّي إلى زيادة الدخل الفردي في الدولتين.
ـ زيادة القدرة التفاوضية للدول الإسلامية في ظلّ التكامل الاقتصادي، الأمر الذي يؤدي إلى تحسين معدل وكفاءة التبادل التجاري مع الدول الخارجية. ويضع حداً لتقلّبات الأسعار الخاصة بصادرات الدول الإسلامية ووارداتها، والتي تحدث نتيجة التقلبات الدورية في مستوى التشغيل والإنتاج في الدول الصناعية المتقدمة.
إن المشروعات المشتركة وزيادة معدلات التبادل التجاري بين الدول الإسلامية، وتنسيق خطط التنمية الشاملة فيما بينها قد يؤدّي إلى تحقيق التكامل الاقتصادي، ولا بدّ من الإشارة إلى العامل السياسي والإرادة السياسية التي قد تؤدي إلى إعاقة التكامل الاقتصادي، كما قد تؤدي إلى تحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية.
ومن الأفضل التدرّج في مراحل التكامل الاقتصادي بين دولتين أو مجموعة من الدول، ولكن هذا لا يمنع من تطبيق شكل متقدم من أشكال التكامل الاقتصادي دون المرور بتطبيق الشكل الأقل درجة من درجات التكامل، كأن يطبق الاتحاد الجمركي دون المرور بمرحلة منطقة التجارة الحرة، أو تطبيق السوق المشتركة دون المرور بمرحلة الاتحاد الجمركي.
ويختلف التكامل الاقتصادي عن التعاون، لأن التعاون يعني تقليل التباين بين اقتصاديات دولتين أو مجموعة من الدول، في حين يتضمّن التكامل إلغاء التباين أو التفاوت أو التمايز بين هذه الاقتصاديات إلغاءً تاماً.
بعد انتهاء قمة طهران للدول الإسلامية تجدّدت الدعوة إلى قيام تكامل اقتصادي أو تكتل اقتصادي إسلامي. هل تستطيع الدول الإسلامية أن تحقّق ذلك ؟ وهل تسمح الظروف العالمية الخارجية بذلك ؟ وهل تتوفر الإرادة السياسية اللازمة لقيام مثل هذا التكامل الاقتصادي.
مع التأكيد على الحاجة الى اتخاذ تدابير فعالة من أجل تقليص الآثار السلبية للنظام الاقتصادى العالمي على اقتصادات الدول الاسلامية، وضمان مشاركتها على قدم المساواة فى الفوائد المترتبة على العولمة بما يحقق توازناً بين الفوائد والمسؤوليات التى تضطلع بها البلدان النامية، وأهمية مواجهة التحديات التى تفرضها العولمة من خلال المشاركة الكاملة للبلدان النامية فى عملية صنع القرار على الصعيد الدولى فيما يتّصل بالسياسات الاقتصادية والمالية. ومن الضروري تعزيز سياسة التنسيق الاقتصادى بين الدول الإسلامية من أجل تفادي مزيد من التهميش على الصعيد الدولي، ولاسيما في مجالات دخول السوق والتمويل والاستثمارات، ونقل التكنولوجيا وحث الدول على تعزيز تكتّلاتها الاقتصادية الإقليمية، وإعادة تفعيل البرامج الحالية الرامية الى تحقيق شكل من أشكال التكامل الاقتصادى بين الدول الإسلامية.
إن التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية، وقيام السوق المشتركة أصبح ضرورة ملحة من أجل دفع عجلة التنمية الشاملة نحو الأمام ورفع المكانة السياسية والاقتصادية لهذه المجموعة من الدول، ويُعد التكامل الاقتصادي من أفضل الوسائل لإنجاح عملية التنمية الشاملة.