ليست المهنة محرَّمة لذاتها ؛ لأنه ليس فيها حكم بغير ما أنزل الله ، بل هي وكالة وإنابة في الخصومة ، وهي من الوكالات الجائزة ، لكن ينبغي للمحامي التحري والتثبت من القضية قبل الخصومة عنها ، فإن كانت الدعوى حقّاً مسلوباً عن صاحبها وظلماً واقعاً عليه : جاز لك التخاصم عنه وإرجاع الحق له ، ورفع الظلم ، وهو من باب التعاون على البر والتقوى ، وإن كانت القضية فيها سلب حقوق الناس والتعدي عليهم : فلا يجوز لك المرافعة عنه ولا قبول وكالته ؛ لأنه يكون من باب التعاون على الإثم والعدوان ، وقد توعد الله تعالى المتعاونين على هذا بالإثم والعقوبة ، فقال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 .
ولمزيد الاطمئنان ننقل لك فتاوى لبعض أهل العلم في المسألة نفسها :
1. سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
ما حكم الشريعة الإسلامية في حرفة المحاماة ؟
فأجاب :
لا أعلم حرجاً في المحاماة ؛ لأنها وكالة في الدعوى والإجابة إذا تحرى المحامي الحق ولم يتعمد الكذب كسائر الوكلاء .
" فتاوى إسلامية " ( 3 / 505 ) .
2. وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
ما رأي فضيلتكم من اشتغالي بالمحاماة من حيث الترافع أمام المحاكم المدنية للدفاع عن القضايا المدنية والتجارية التي بها شبهة الربا ؟
فأجاب :
لا شك أن كون الإنسان ينوب عن غيره في الخصومة لا بأس به ، ولكن الشأن في نوعية الخصومة :
1. فإذا كانت بحق والنائب إنما يدل بما عنده من حقائق ليس فيها تزوير ولا كذب ولا احتيال وهو ينوب عن صاحب القضية لإبداء ما معه من البينة والبراهين على صدق ادعائه أو دافع به فهذا لا بأس به .
2. أما إذا كانت الخصومة في باطل أو يخاصم النائب أو الوكيل عن مبطل فهذا لا يجوز ، فالله جل وعلا يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً ) ، وكلنا يعرف أنه إذا كانت القضية قضية حق ولا يستعمل فيها شيء من الكذب والتزوير فهذا شيء لا بأس به ، خصوصاً إذا كان صاحب القضية ضعيفاً لا يستطيع الدفاع عن نفسه أو لا يستطيع إقامة الدعوى لحقه ، فكونه ينيب من هو أقوى منه جائز في الشرع ، والله تعالي يقول : ( فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْل ) ، فالنيابة عن الضعيف لاستخراج حقه أو دفع الظلم عنه شيء طيب ، إما إذا كان خلاف ذلك بأن كان فيه إعانة لمبطل أو دفاع عن ظلم أو بحجج مزيفة ومزورة والوكيل أو النائب يعلم أن القضية من أصلها باطلة ، وكالنيابة في أمر محرم كالربا فهذا لا يجوز ، فلا يجوز للمسلم أن يكون نائباً أو وكيلاً في باطل ولا محامياً في المعاملات الربوية لأنه معيناً على أكل الربا فتشمله اللعنة .
" المنتقى من فتاوى الفوزان " ( 3 / 288 ، 289 ) .
ثانياً :
كونك في بلد لا يحكم بما أنزل الله وإنما يحكم بقوانين وضعية ، لا يعني ذلك تحريم مهنة المحاماة إذا كان القصد هو الحصول على الحق ودفع الظلم ، فإن المظلوم مضطر إلى التحاكم إلى هذه القوانين لأخذ حقه ، وإلا لأكل الناس بعضهم بعضاً ، وحصلت الفوضى في المجتمع ، لكن إذا حكم له القانون بأكثر من حقه فإنه يحرم عليه أخذه ، وإنما يأخذ حقه فقط ، وفي حالة التحاكم لهذه القوانين لأخذ الحق ودفع الظلم لا إثم على المظلوم ولا على المحامي الذي ينوب عنه في الخصومة لتحاكمه لهذه القوانين ، وإنما الإثم يقع على من استبدل هذه القوانين بشرع الله ، وألزم الناس بالحكم بها والتحاكم إليها . وقد أشار ابن القيم رحمه الله إلى هذا في كتابه "الطرق الحكمية" (ص 185) .
ولذلك لا ننصحك بترك هذه المهنة ، وإنما ننصحك باستمرار العمل فيها ، والعمل دائما على الارتقاء بمستواك عن طريق قراءة الكتب ومدارستها والتعلم من المحامين الكبار ، فإن الناس محتاجون إلى محامٍ أمين يترافع عنهم ، ويرد إليهم حقوقهم .
وليكن قصدك دائما نصرة المظلوم ومعاونته ، وأبشر بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ومن مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزول الأقدام ) رواه ابن أبي الدنيا وحسنه الألباني في صحيح الترغيب .