لعبت وسائل الإعلام المصرية والجزائرية دور البطولة في الأزمة الحالية بين الشعبين ، واستطاعت الصحف الجزائرية أن تقنع الرأي العام العالمي بقضيتها رغم سلسلة الأكاذيب الواضحة للجميع ،فلماذا تخفق مصر دائما في عرض قضيتها وإقناع الرأي العام العالمي بها ، تحدث لـ"محيط " أستاذ الصحافة بكلية الإعلام والكاتب د. محمود خليل ، وكان له تحليل مختلف للأحداث ..
محيط : لماذا تزداد صيحات معاداة مصر من وقت لآخر ؟
أحداث مباراة كرة القدم الأخيرة كانت برأيي القشة التي قسمت ظهر البعير ، فمنذ أن قرر الرئيس المصري محمد أنور السادات القيام برحلته الشهيرة لإسرائيل في 1977 وهناك احتقان علني وخفي من جانب قطاع واسع من الشعوب والحكومات العربية ضد مصر ، ولكن بتراكم الأحداث أصبح دور مصر الريادي في العالم العربي يتراجع شيئا شيئا وازدادت سلبية صورتها في المنطقة.
لكن هذه الصورة كان يمكن أن تكون أفضل كثيرا إذا بذلت الحكومات المصرية المتعاقبة جهودا ملموسة لتبرير تصرفاتها السياسية منطقيا ، كما أن علاقة مصر بدول العالم العربي كانت تشبه إلى حد كبير علاقة المركز بالأطراف ، أو علاقة الشقيقة الكبرى بأخواتها فهي صاحبة المبادرة والموقف المسموع ، وكانت المنطقة تنعم بنوع من الاستقرار بفضل هذه العلاقة ومع تراجع دور هذا المركز يكون اللوم عليها أشد .
في الوقت الذي تراجع الدور المصري كانت موازين القوى تتعادل عربيا ، وصعدت السعودية وسوريا ودول المغرب العربي على الصعيد السياسي الدولي ، لكن صورة مصر ساءت مؤخرا حينما تبنت الحكومة موقفا رافضا لقتال حماس لإسرائيل في العام الماضي رغم عدوان الأخيرة على قطاع غزة 2008 ، أو موقفها الرافض لقتال حزب الله اللبناني والذي تزامن مع العدوان على جنوب لبناني 2006 ، ومن هنا لم تكن الشعوب العربية تستسيغ حديث مصر عن الريادة في المنطقة والذي تركز عليه وسائل إعلامها .
وعرت مباراة كرة القدم الأخيرة احتقان الشارع الجزائري ضد مصر ، وعدم تقدير كثير من المواطنين السودانيين لعمق الروابط التاريخية بينهم وبين مصر .
محيط : بعد أن قلبت وسائل الإعلام الجزائرية كافة الحقائق لدى الرأي العام العالمي ، كيف نظهر الحقيقة ؟
أنا لا أرى أن لدينا وزارات إعلام أو خارجية مصرية حقيقية ، فعلى سبيل المثال إذا علمنا أن ملفي فلسطين والسودان وهما قضيتا أمن قومي لا يتبعان وزارة الخارجية وإنما جهاز المخابرات العامة المصرية ، فهذا يعني أن الوزارة ليس لها دور سياسي حقيقي وإنما فقط دبلوماسي ، وهذا نشاهده في حال السفارات المصرية بالخارج والتي لا يعنيها كثيرا ما يتعرض له المصريون في الخارج ولا تسارع لحمايتهم كما تفعل السفارات الأخرى مع رعاياها ، كما أنها لا تقوم بالتعاون مع أجهزة الإعلام بالخارج لتصحيح الصورة في الوقت المناسب وهو المفترض منها .
أتساءل أيضا أين دور الهيئة المصرية العامة للإستعلامات ولها مكاتب في كل الدول العربية ، وعموما لا نجد لوسائل إعلامنا صدى عالمي لأنها تخاطب الداخل دائما وليس لديها القدرة على مخاطبة الرأي العام العالمي بالمنطق الذي يفهم به الأحداث وبالسياق الملائم ، لأن القضية ليست قضية لغة ، أي أن أتحدث بالإنجليزية للشعوب الناطقة بها ، لابد أن أفهم كيف تفكر هذه الشعوب وأن أدرس كيف تنظر لنا وكيف أحسن عرض قضيتي لهم بصورة يفهمونها ، أي أن أفرق بين الخطاب الموجه للداخل والخطاب الموجه للخارج .
من الأمور المثيرة للأسف أن وزير الإعلام المصري لم يتحدث منذ بدء الأزمة المصرية الجزائرية في القاهرة إلا حينما سمعنا أن التليفزيون المصري سيحتكر عرض المباريات ويحرم القنوات الخاصة ، وعندما حدثت أزمة السودان هنا فقط سمعنا وزير الإعلام المصري أنس الفقي يتحدث ، وبعرض لصوته لا صورته ! .
لدينا أزمة حقيقية مع وزراء الإعلام فمثلا الوزير السابق صفوت الشريف كان محنكا ولكنه كان وزير "المسلسلات" لا يركز إلا على أن ينافس المسلسل المصري عربيا وأعطى تركيزا كبيرا لمدينة الإنتاج الإعلامي ، وللأسف فقد أكدت الأزمة الأخيرة حالة الإنكفاء الإعلامي المصري على الداخل ، نتحدث لبعضنا أكثر ما نتحدث للغير ، كما كشفت أن الإعلام الخاص هو حكومي بدرجة ما وليس مستقلا ، فكيف نقيم خطاب إعلامي فضائي تحرك كله على مداخلة لنجل الرئيس ، فما الذي ننتظره منه في الانتخابات الرئاسية مثلا أو التشريعية غير فرد مساحات لمرشحي الحزب الوطني .
أؤكد أن حالة التعددية التي تميز الفضاء العربي كشفت التأثيرات الوخيمة التي صنعتها التكنولوجيا في الدول المتخلفة ؛ فالعرب كانوا أكثر تقاربا في الماضي ومشاكلهم لا تظهر إلا بين حكامهم ، وجاء الإعلام التكنولوجي ليفكك وحدة هذه الشعوب ،وعلى الرغم من أنه إعلام فضائي إلا أنه يعمل بعقلية قطرية أرضية ، ونتساءل ما هو البرنامج العربي الذي يتابعه الناس حول العالم ؟ لا يوجد ، لكن هناك برامج أوروبية تفعل ذلك وأمريكية وعلى سبيل المثال برنامج الإعلامية أوبرا وينفري ، وهو من البرامج العولمية وتستطيع تقريب وجهات النظر كثيرا .
كما أتساءل أين دور اتحاد الصحفيين العرب واتحاد اذاعات دول العالم العربي وأين الحديث عن ميثاق الشرف الاعلامي العربي .
محيط : هل تؤيد مقاطعة الجزائر على أية مستوى ؟
لا ؛ القضية ليست أن نقاطع الجزائر ، ويستحيل أن أقبل فكرة أن تختزل كرامة المصريين في أحداث السودان الأخيرة ،فكرامتهم مهدرة بالفعل في العشوائيات وأقسام البوليس وهم يأكلون أغذية مروية بمياه الصرف الصحي ، عندما يكون لدينا كرامة في الداخل سيكون لدينا كرامة في الخارج .
وحالة الانفجار تعكس حالة يأس سياسي لدى الشعبين والإعلام يغزى هذه المسألة ويغزي التعصب ، فهو يرفض التعصب السياسي والديني ولكنه يؤكد على التعصب الرياضي، والخطاب الإعلامي الرياضي برمته يحتاج لمراجعة ، فنجد اتحاد الكرة الجزائري يخاطب الاتحاد الدولي والاتحاد المصري يخاطب المصريين وكذا وسائل الإعلام .
وأؤكد أن تحسين صورة مصر لدى الشعوب المختلفة يقتضى ان تخاطب هذه الشعوب بفكرها وليس بمجرد لغتها ، البعض يتصور أن إنشاء قنوات بلغات أجنبية يمكن أن تلعب دورا في تحسين صورة مصر أو المسلمين ، وهي لم تحقق الهدف لأنها لا تفهم فكر الآخر وتعد رسالة متأنية تحقق أهدافها على المدى البعيد .
كما أدعو لدراسة قراراتنا ، فمثلا السودان حاليا بأوضاعها الأمنية المتعثرة لا تدعو مطلقا لإرسال آلاف المشجعين على أرضها وخاصة في ظل التوتر الذي شهدته مباراة القاهرة ،ويجب ألا يعتمد إعلامنا على أنصاف المتعلمين من الرياضيين ، فنجد هذا الأداء المتردي ونسمع للبعض يقول : لو إسرائيل لعبت مع الجزائر سأشجع إسرائيل أو أننا نحب اليهود ولا نحب الجزائريين أو نسمع عن ضرورة تحريك جيش ، وأصبحت لغة الإعلام المصري هي لغة المقاهي وأصبح خطابه غير مسئول ، رغم أن الأجيال الجديدة تتابع ما يقال وتصدقه وهنا الكارثة .
وأخيرا يجب ألا يشغلنا ما جرى عن مشكلاتنا العارمة والتي تأخرت بالطبع في جدول اهتمامات الوسائل الإعلامية ، فلو عدلنا الميزان الإعلامي سنعدل المزاج الشعبي المصري ، والذي يجد الجد في الهزل والهزل في الجد .