لحظة إعلان انتصار القوات المصرية المسلحة على العدو الإسرائيلي كانت حقا فارقة لجموع الشعب ، ولكنها كانت فارقة أكثر بالنسبة للمثقفين والشعراء الذين دخلوا في حالات اكتئاب وعزلة متفاوتين بعد نكسة 67 . عبر كل الشعراء العرب عن فخرهم بعودة الكرامة وسطروا قصائد لا تزال شاهدة على لحظات الإنتصار وعودة الحياة المسلوبة ورجوع الحق لأصحابه .
كتب الشاعر السوري الكبير نزار قباني يقول :
جاء تشرين.. يا حبيبة عمري
أحسن الوقت للهوى تشرين
ولنا موعد على "جبل الشيخ"
كم الثلج دافيء… وحنون
لم أعانقك من زمان طويل
لم أحدثك.. والحديث شجون
لم أغازلك .. والتغزل بعضي
للهوى دينه.. وللسيف دين..
سنوات سبع من الحزن مرت
مات فيها الصفصاف والزيتون
سنوات فيها استقلت من الحب
وجفت على شفاهي اللحون
سنوات سبع .. بها اغتالنا اليأس
وعلم الكلام … واليانسون
فانقسمنا قبائلا وشعوبا
واستبيح الحمى, وضاع العرين
كيف أهواك حين حول سريري
يتمشى اليهود والطاعون
كيف أهواك .. والحمى مستباح
هل من السهل أن يحب السجين ؟
لا تقولي: نسيت لم انس شيئا
كيف تنسى أهدابهن الجفون ؟
غير أن الهوى يصير ذليلا
كلما ذل للرجال جبين
*
صلاح عبد الصبور
صلاح عبد الصبور
انطلق الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور يتغنى بالنصر، وينظم الشعر لأول جندي مصري رفع العلم المصري على ارض سيناء قائلا :
تملّيناك، حين أهلَّ فوق الشاشة البيضاء،
وجهك يلثم العلما
وترفعه يداك،
لكي يحلق في مدار الشمس،
حر الوجه مقتحما
ولكن كان هذا الوجه يظهر، ثم يستخفي .
ولم ألمح سوي بسمتك الزهراء والعينين
ولم تعلن لنا الشاشة نعتا لك أو اسما
ولكن، كيف كان اسم هنالك يحتويك ؟
وأنت في لحظتك العظمي
تحولت إلي معني، كمعني الحب، معني الخير، معني النور، معني القدرة الأسمي.
تراك،
وأنت في ساح الخلود، وبين ظل الله والأملاك
تراك، وأنت تصنع آية، وتخط تاريخا
تراك، وأنت أقرب ما تكون
إلي مدار الشمس والأفلاك
تراك ذكرتني،
وذكرت أمثالي من الفانين والبسطاء
وكان عذابهم هو حب هذا العلم الهائم في الأنواء
وخوف أن يمر العمر، لم يرجع إلي وكره
وها هو عاد يخفق في مدى الأجواء.
فهل، باسمي وباسمهمو لثمت النسج محتشدا
وهل باسمي وباسمهمو مددت إلي الخيوط يدا
وهل باسمي وباسمهمو ارتعشت بهزة الفرح
وأنت تراه يعلو الأفق متئدا
وهل باسمي وباسمهمو همست بسورة الفتح
وأجنحة الملائك حوله لم تحصها عددا
وأنت ترده للشمس خدنا باقيا .. أبدا
هنيهات من التحديق،
حالت صورة الأشياء في العينين
وأضحي ظلك المرسوم منبهما
رأيتك جذع جميز علي ترعة
رأيتك قطعة من صخرة الأهرام منتزعة
رأيتك حائطا من جانب القلعة
رأيتك دفقة من ماء نهر النيل
وقد وقفت علي قدمين
لترفع في المدي علما
يحلق في مدار الشمس،
حر الوجه مبتسما.
فؤاد نجم
الشاعر المصري احمد فؤاد نجم
شارك شاعر العامية المصري أحمد فؤاد نجم بعدد من القصائد احتفالاً بالنصر فكتب "ضليلة فوق رأس الشهيد"، "منشور علني رقم واحد"، "دولامين"، "عطشان يا صبايا" ، فيقول في قصيدته الأولى :
يا مصر جيشك م الصعيد
و م البحاروة و من رشيد
شبان هلايلية و طيبين
فينا الحنين و العنيد
نعشق
و لا عشق الحمام
للولف و العش السعيد
و نجود
كما جاد الغمام
باللقمه
و التوب الجديد
ندي بمزاجنا كل شيء
لأي شيء
ما دام نريد
لكن عدوك يا اسماعين
لو سخنت النار ع الحديد
و الظلم خوم ع العباد
سوى من قريب
او بعيد
حلم الحليم
يصبح جحيم
و الدم يتسمم صديد
نرمي الغضب
رمي الحطب
ع النار
تقوم النار تقيد
و احنا الرجايل يا اسماعين
في الشدة
و الوقت الشديد
نصول نجول راكبين
خيول
راكية السيول
فوق الجليد
تكسح ضباب الليل
يزول
ننطح جبال الخوف تميد
نطوي السراب طي الكتاب
و نقابل الصبح البعيد
نرجع نلاقي الدنيا نور
يا مصر
و الإنسان جديد
ننشي المداين والكفور
في جو نور
و بكل ايد
و نجيب حليب العندليب
في المهد
للطفل الوليد
ضليلة
و نشجر التين و الزتون
فوق راس الشهيد