ألقى معالي الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء عضو اللجنة الدائمة للإفتاء محاضرة في جامع خادم الحرمين الشريفين بجازان بعنوان: (أحكام التعامل مع غير المسلمين) جاء في بدايتها أن الله خلق الخلق لعبادته لا لحاجته إليهم أو لعبادتهم لأنه غني عنهم ولكن لحاجتهم هم إلى الله يتقربون إليه سبحانه وتعالى فالله ـ جلَّ وعلا ـ يكرمهم وينعم عليهم في الدنيا والآخرة فعبادتهم له لأجل مصلحتهم هم، قال تعالى: { وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} (131) [النساء].
وأضاف قائلاً: فالله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته وفطرهم إليه فكل مخلوق يتجه بفطرته إلى الله، قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (30) [الروم]، وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” ولكن شياطين الإنس والجن مفسدون للفطرة التي كانت صالحة وقابلة للخير، بالتربية السيئة بداية بأبويه وكذلك دعاة الضلال فيحولونها إلى فطرة خبيثة منحرفة.
الناس أمة واحدة
وواصل معاليه القول:
الناس كانوا أمة واحدة وعلى الدين الصحيح ليس بينهم تفرق ولا اختلاف، كما قال الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ } (213)[البقرة] ، ثم اختلفوا بعد ذلك كما في الآية الأخرى قال تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ } (213)[البقرة ]، وحدث هذا الاختلاف في قوم نوح – عليه السلام – فهم كانوا على الدين الصحيح وكان فيهم العلماء والدعاة إلى الله سبحانه وتعالى ولكن قدر الله سبحانه أنه كان فيهم رجال صالحون ماتوا في عام واحد ففقدهم الناس وحزنوا عليهم فجاء الشيطان إليهم منتهزاً هذه الفرصة وقال لهم صوروا صورهم وانصبوها على مجالسهم من أجل أن تتذكروا حالهم فتنشطوا على العبادة، فصوروا صورهم ونصبوها بذلك القصد فلما مات العلماء المتبقون ظهر جيل جديد من العلماء جهال فجاءهم الشيطان مرة أخرى وقال لهم إن آباءكم لم ينصبوا هذه الصور إلا ليعبدوها فزين لهم عبادتها فعبدوها من دون الله عند ذلك حصل الشرك وتغيَّر دين آدم فبعث لهم نبيه نوحاً ليدعوهم إلى دين الله والرجوع إلى عبادته لكن الشرك تمكَّن من قلوبهم وأصروا على عبادة هذه الصور، وهذه هي قصة حدوث الشرك في بني آدم وعند ذلك انقسم الناس إلى مؤمنين وكفار، إلى أن جاء نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – خاتم النبيين وإمام المرسلين فأرسله الله إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } (107) [الأنبياء ]، فلا يزال لطف الله وفضله على عباده أنه لم يتركهم فريسةً لشياطين الإنس والجن، بل إنه سبحانه وتعالى والى عليهم ببعث الرسل وإنزال الكتب وكان آخر ذلك محمد رسول الله خاتم النبيين.
لا يجوز الاعتداء
واستطرد الشيخ الفوزان قائلاً: لما هاجر ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجد الأنصار أعوانه، وشرع الله الجهاد فبعد القتال إما أن يدفعوا الجزية للمسلمين ويدخلوا تحت حكم الإسلام فالإسلام هو الحاكم والمسيطر، أو أنهم يعاهدون المسلمين ويبقون في بلادهم ويجري بينهم وبين المسلمين عهد أنهم لا يتعدون على المسلمين ولا يصدون عن سبيل الله ولا يمنعون الدعوة إلى الله ـ عزَّ وجلَّ ـ فيعقد معهم الهدنة ويعقد معهم العهد كما عقد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ العهود والهدنة مع المشركين إذا كان ذلك في صالح الإسلام وحينئذ لا يجوز للمسلمين أن يعتدوا عليهم المعاهد يحرم أن يعتدي عليه في دمه أو ماله لأن له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين ولهذا قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين سنة) رواه البخاري هذا وعيداً شديد على من قتل كافراً له عهد مع المسلمين وقال سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ } (33) [الإسراء].
النفس التي حرَّم الله
وبيّن معاليه أن النفس التي حرَّم الله هي نفس المؤمن، ونفس الكافر المعاهد، فالكافر المعاهد حرم الله قتله، فمن قتله فقد خان العهد وغدر بالذمة فعليه الوعيد الشديد وأوجب الله فيها أولاً، أنه لا يجوز قتل المعاهد عمداً فمن فعل ذلك فله الوعيد الشديد أن الله يحرمه من رائحة الجنة، أما من قتل منهم خطأ فحكمه حكم المسلمين فيه الدية وفيه الكفارة: { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } (92) [النساء]، انظر كيف أوجب الله الدية والكفارة في قتل الكافر إذا كان معاهداً فمن قتله خطأ كأنما قتل مؤمن خطأ عليه الدية.
النفوس المعصومة
وأضاف معالي الدكتور الفوزان قائلاً : الكفارة لأجل العهد الذي بيننا وبينهم الله ـ جلَّ وعلا ـ قال: {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا } (91) [النحل]، وكذلك الذين ليس بيننا وبينهم عهد ولكن دخل إلى بلادنا بإذن من ولي الأمر يحمل رسالة من دولة أو سفيراً لدولة هذا يسمى بالمستأمن أو جاء ليتعلم الإسلام أو يعرف الإسلام هذا مستأمن قال الله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ } (6) [التوبة ]، هذا المستأمن يحافظ على حياته ولا يعتدى عليه حتى يرجع إلى بلاده، وكذلك من أحسن إلى المسلمين ولم يحصل منه أذى للمسلمين، لكنه لم يسئ إلى المسلمين أو صار منه إحسان للمسلمين فهذا يكافأ بالإحسان كما قال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (8) [الممتحنة] فالكفار الذين لا يحصل منهم أذى على المسلمين أو يبدلون مصلحة للمسلمين فهؤلاء يكافئون لأن دين الإسلام دين العدالة والوفاء فيبرون ويقسط إليهم بأمر الله سبحانه وتعالى.
هذا في ذمتنا وحمايتنا
وأضاف معاليه قائلاً: الوالدان إذا كانا كافرين فإن على الولد أن يبر بهما لكن لا يتبعهما على دين الكفر لكن لا يسقط حق البر بهما عن الولد، فيعاملهما ولدهما بالإحسان، كذلك الذي يدخل إلى بلادنا استقدمناه نحن لعمل، فهذا يدخل في حمايتنا وفي ذمتنا ولا نعتدي عليه ولا نترك أحداً يعتدي عليه حتى يذهب إلى بلاده لأننا نحن الذين استقدمناه وأمنّاه فيجب أن نرشده إلى الحق، فالإسلام لا يكون بالخيانة والغدر هذا تنفير للكفار عن الدخول في الإسلام أما إذا رأوا هذا التعامل الطيب من المسلمين فهذا مدعاة لأن يدخلوا في الإسلام ويدركوا عدالة الإسلام.
لنرجع للدين
وختم معاليه المحاضرة مشيراً إلى أن تصرفات هوجاء من بعض جهلة المسلمين سببت ارتباكاً عند المسلمين، وسلط الكفار على المسلمين وصار كل مسلم يوصف بالإرهابي عند الكفار، فالواجب أن نتقي الله سبحانه وتعالى وأن نرجع إلى ديننا رجوعاً صحيحاً، وأن نسأل علماءنا، نرجع إلى أهل العلم قال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (83) [النساء]، وفقني الله وإياكم وجميع المسلمين إلى مرضاته ووفقنا جميعاً للعلم النافع والعمل الصالح والفقه في دين الله.
وبعد انتهاء معالي الدكتور صالح الفوزان من المحاضرة التي شهدها أكثر من ألفي شخص بالإضافة إلى أعداد كبيره من النساء اللاتي نقلت إليهن المحاضرة عبر الدائرة التلفازية في المكان المخصص لهن بالجامع، أجاب معاليه على عدد من الأسئلة التي طرحت عليه سواء ما يتعلق بموضوع المحاضرة أو غيرها من الموضوعات الشرعية.