من المعروف تاريخيا أن ميكافيللي هو زعيم الواقعية حيث يفسر الأحداث كلها على أساس من منظار الواقعية فقد أوضح بيان القواعد التي يقوم عليها الحكم السياسي وهو يرى أن الحقوق قد تكون ناجحة أو سالبة ضارة أو نافعة حسب المقتضيات والآفات.
إن النظر إلى التاريخ العربي سابقا ولاحقا يفسر على أساس المقتضى والوقت أي حسب المنفعة والمضرة. إن التاريخ العربي والذي بنى حضارة وثقافة عربية إبداعية بدأ يتلاشى الآن وبدأت الأحداث المعاصرة تطوي هذا التاريخ وهذه الحضارة. فالأحداث المعاصرة والتي يمر بها الوطن العربي لا يستند حلها أو حلولها إلى شيء من التاريخ الحضاري العربي الإسلامي بل إن محاولات زمن التاريخ القديم تنطوي على محاولات تمزيق الهوية أساسا واستنادا لهذا الواقع المؤلم والذي يجري فيه تناسي التاريخ العربي نسأل هل التاريخ دافع لتحريك العرب لحماية أرضهم وخاصة فلسطين والقدس بشكل أكثر خصوصية؟ هل القدس في الذهن العربي؟ والقدس هي أرض العرب كافة من مسلمين ومسيحيين. لقد استفاقت أوروبا على طبيعة التهويد للقدس وأعطت رأيها فيما تكون عليه القدس، فهل أعطى العرب رأيهم في هذه المسألة رغم أن شعاراتهم وعناوينهم تقول ذلك؟ لقد تحركت أوروبا باتجاه القدس التي ظل أصحابها العرب نائمين كأنه لا علاقة لهم بهذا الشأن. ويقول التاريخ أن صلاح الدين استرد القدس من كل محاولات الاحتلال فهل يحاول العرب ذلك؟ أين تاريخ العرب القديم من تاريخ العرب الجديد؟ وعليه نجد أنفسنا أمام السؤال التالي: من يكتب التاريخ الأشخاص أم الأحداث؟ إن التاريخ العربي القديم يتبرأ حقيقة من التاريخ المعاصر الذي تجري فيه أحداث لا قدرة ولا حيلة للعرب على منعها بل وكأنه لا صلة لهم بها كتهويد القدس والحرب والحصار على غزة ومحاربة قيام دولة فلسطينية أو استرداد الجولان وجنوب لبنان والقتل والدماء في العراق والحرب في الصومال والقهر والتشريد في السودان وانتهاك الحقوق للإنسان العربي. هل كان العرب والمسلمون القدماء يسكتون لو وقعت هذه الأحداث في زمنهم؟ إن التاريخ العربي يتلاشى ويموت يوما عن يوم حتى تصبح الهوية العربية في ذمة التاريخ ذات يوم قادم. إن حرب اليمن على سبيل المثال هي قصم ظهر الهوية العربية لأنها حرب ضد الهوية العربية لصالح دولة أجنبية هي إيران. والآن يتساءل المواطن العربي لمصلحة من كل ما يجري على الأرض العربية؟ هل ما يجري على الأرض العربية هو سوء إدارة أم متعمد؟ إن الحقيقة التي كشفها التاريخ المعاصر تظهر احتمالين إما أن التاريخ القديم متعمد وكتب لمقتضيات وأزمان بعينها وإما أن التاريخ المعاصر يكذب التاريخ القديم حيث أن معالجة وإدارة الأحداث والحوادث ومجريات الأمور في الوطن العربي لا علاقة لها بالتاريخ القديم بل إن محاولات معالجتها إن كان هناك محاولات تظهر أن الهوية العربية والوجود العربي والتمسك بالحضارة والتاريخ القديم كلها في طريقها إلى التلاشي والزوال حيث لا العرب ولا جامعتهم العتيدة تبدي اهتماما بما يجري.
من المؤلم والجارح للكرامة العربية أن تطرح أسئلة يعجز العرب عن الإجابة عليها. فهل للجامعة العربية أي صوت تجاه ما يحدث؟ هل استفاق العرب من غفوتهم تجاه تهويد القدس؟ أليس من المحير والمعيب أن تهب أوروبا لتحية القدس بأنها عربية ولا يجوز تهويدها والعرب أصحاب القضية مغيبون ولا صوت لهم. إنها فضيحة العمر أن لا يخرج صوت عربي يدعو لنجدة القدس.
د. جلال فاخوري