جدد الشيخ "شمس الدين بوروبي" الداعية الجزائري المعروف، والرئيس السابق لـ"الجمعية الخيرية الإسلامية"، من خلال هذا الحوار مواقفه المناوئة للتيار السلفي في الجزائر، مؤكدا في ذات الصدد بأن "السلفية" هي صنيعة المخابرات البريطانية التي سلمتها بعد ذلك للمخابرات الأمريكية، بهدف ضرب الصحوة الإسلامية.
وبدا جليا من أجوبة "الشيخ" على أسئلة "الإسلاميون.نت" أنه لا فرق لديه بين "السلفية العلمية" و"السلفية الجهادية"، برغم أن شيوخ "السلفية العلمية" نددوا بالعنف والإرهاب، مشيرا إلى أن هؤلاء "لم ينددوا بالإرهاب إلا عندما تيقنوا أنه يستحيل قيام دولة سلفية في الجزائر، بعد انتصار الجيش والشعب الجزائري على الإرهاب"، مؤكدا أيضا أنه لا مستقبل لهذا التيار في الجزائر.
* معروف عنك تهجمك الشديد على ما يعرف بـ"التيار السلفي" أو "السلفية العلمية"، عبر المقالات التي تنشرها في الصحف الجزائرية، وبعض الكتب والرسائل التي ألفها.. فما هي الدوافع الحقيقية وراء شن هذه الحملة الشرسة ضد السلفيين؟
- بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.. وبعد: لابد على القارئ الكريم أن يفرق بين "السلف" و"السلفية".. فنحن نحترم السلف ونقلد السلف وأئمتنا هم أئمة السلف رضي الله عنهم، ولكن "السلفية" التي نتحدث عنها، هي "سلفية استخباراتية" صنعتها المخابرات البريطانية، وسلمتها للمخابرات الأمريكية، بهدف تكسير الصحوة الإسلامية، وتغيير مسارها، وبعد أن كانت الصحوة الإسلامية تعمل لإقامة حكم الله في الأرض، أصبحت اليوم تدعو للحفاظ على عروش الظلمة، وطاعة السلاطين المستبدين، وطاعة الذين لا يحكمون بما أنزل الله، وطاعة الذين يحاربون ما أنزل الله، بل إني قرأت مؤخرا لأحد المتسلفة الحشوية كما أسميهم، يدعو إلى وجوب طاعة السلطان حتى لو كان كافرا، معنى ذلك: لماذا يحارب المسلمون لاستقلال فلسطين؟ فبهذا المنطق: شارون حاكم تجب طاعته.. لماذا قاتل المجاهدون الجزائريون لاستقلال الجزائر؟ على حسب هذه الفتوى كانت فرنسا عبارة عن حاكم تجب طاعته.. فجميع المجاهدين الجزائريين، بالنسبة لهذه الفتاوى عبارة عن "خوارج" تجب محاربتهم، وجميع العملاء الذين عملوا مع الاستعمار، وباعوا بلدانهم للاستعمار، أصبحوا هم المجاهدين الذين أطاعوا السلطان..
هذه الفتاوى المخربة للأوطان تعمل لصالح الاستعمار.. تصور يا أخي.. كيف يقول "العبيكان" إنه لا يجوز "جهاد الأمريكان في العراق، وإن من جاهد الأمريكان في العراق عبارة عن خوارج".. هذه فتاوى "مضللة".. فالدافع لمحاربة ما يسمى بـ"التيار السلفي" كون هذا التيار عبارة عن "صناعة استخباراتية غربية".
* لكن وكما يرى خصومكم من أتباع "التيار السلفي" فإن جل ما تنشره لكم الصحف اليوم أو ما ورد في جل مؤلفاتكم لا يخلو من "التطاول" على علماء الأمة القدماء والمعاصرين على السواء.. فما ردكم؟
- ردي يتمثل فيمن قال "رمتني بدائها وانسلت"، فمن كان يسمي "الإمام مالك" بـ"الإمام الهالك"، ومن كان يقول عن "أبي حنيفة" أنه "أبو جيفة"، فـ"الفقي" رئيس أنصار السنة في مصر، ومن مؤسسي "السلفية" في هذا البلد، كان يسمي التابعي الجليل الذي كان يقلده ثلثا المسلمين بـ"أبي جيفة"، والسلفية عندنا يسمون "الإمام مالك" بـ"الإمام الهالك"، لقد ضللوا "الإمام بن باديس"، وضللوا "الإمام الشعراوي"، وضللوا "الإمام حسن البنا"، وكفروا "السيد قطب"، وضللوا "الشيخ البوطي"، وضللوا "الشيخ الصابوني"، وضللوا "الشيخ الكبيسي"، وضللوا "أبوغدة"، وضللوا "عبد الحميد كشك" واتهموه بـ"الطرقية"، لأنه يقول "يا الله.. يا الله.. يا الله"، ضللوا أتباع الأئمة الأربعة، بل إن "الإمام مقبل الوادعي"، هو أحد أئمة السلفية في اليمن، يقول: "أتباع الأئمة الأربعة عندنا ليسوا كفارا، لكنهم من المبتدعة"، الصوفية على إطلاقهم الصحيح منهم والباطل، هم من المبتدعة، الأشاعرة عندهم كذلك من المبتدعة، الماتريدية من المبتدعة، الجماعات الإسلامية كلها من المبتدعة، لقد ضللوا كل من خالفهم، ثم يتهموننا بـ"تضليل" العلماء.
نحن حينما نقول: "أخطأ ابن تيمية، أو أخطأ الألباني"، نحن نكتفي بالقول "أخطأ"، نحن لا نكفر أو نبدع أحدا، ولا نخرجهم من دائرة أهل السنة، وماذا فعلت السلفية في المغرب؟ من الذي حرق قبور أئمتنا؟ من الذي دمر قبور الشهداء؟ من الذي اغتال الإمام "الذهبي" في مصر؟ من الذي اغتال أعدادا من الأئمة والدعاة والمفكرين؟ مثلا الشيخ "صحراوي" من الذي قتله في فرنسا؟ الشيخ "بوسليماني" من الذي ذبحه في البليدة؟ هل ذبحه "المالكية" أو "الأشاعرة"؟ وأنا هنا أطرح سؤالا: لماذا لا تجد شابا فجر نفسه إلا ووجدناه سلفيا؟ أنا أتحدى الجميع، أن يوجد "إباضيا" أو "مالكيا" أو "إخوانيا" أو "تبليغيا" فجر نفسه.. أو أنا أتحداكم أن تجدوا واحدا من أتباع الأئمة الأربعة أو خريج الأزهر يقود جماعة مسلحة.. كل الجماعات المسلحة التي تخرب الأوطان وتقتل الأبرياء وتغتصب النساء وتحرق المساجد وأضرحة الأئمة والعلماء كلهم "سلفية".. والسؤال مطروح هنا "لماذا؟".
* لكن أكبر دعاة ومرجعيات التيار السلفي في الجزائر ينددون بالعنف وسفك دماء المسلمين ويحاربون الفكر "المتطرف" و"الخارجي"..
- يقول علماؤنا "من علامات الباطل افتراق أهله".. فالسلفية ليسوا شيئا واحدا، فهم حاليا حوالي 280 طائفة، اتفقوا على شيء واحد واختلفوا في كل شيء، اتفقوا على "تضليل" بعضهم البعض، هذا الأمر محل اتفاق بينهم، واختلفوا في كل شيء، قالوا يجب أن نلغي المذاهب الأربعة كي نوحد الأمة على الكتاب والسنة، العجيب أنهم أنشئوا لنا اليوم مئات المذاهب، بعدما كان المغرب العربي متحدًا على مذهب "الإمام مالك"، الآن نرى مئات الطوائف، فأين توحيد الأمة هذا الذي زعموا؟
من جهة أخرى إياك أن تعتقد أن السلفية نددوا بـ"الإرهاب"، هم نددوا بـ"الإرهاب" عندما تيقنوا أنه يستحيل "قيام دولة سلفية"، لما انتصر الجيش والشعب الجزائري في معركة "الإرهاب"، حينها بدأنا نسمع بفكرة التنديد بـ"الإرهاب"، بدليل أن الألباني له فتوى يكفر فيها حكام الجزائر، فلما كفر حكام الجزائر، أعطى تغطية شرعية للأعمال الإرهابية، العجيب أنه بعد حوالي 13 سنة، وبعد أن هزم الشعب الجزائري "الإرهاب"، سمعنا الألباني في التلفزة الجزائرية يندد بـ"الإرهاب"، فلماذا لم يندد عند بداية "الإرهاب" كما فعلنا نحن؟ وكما فعل علماؤنا أهل السنة والجماعة، وكما فعل الشيوخ والأئمة.
* البعض يرى أنكم تتحاملون على التيار السلفي، وأن انتقادكم له لا ينبع من منطلقات فكرية محضة!
- أولا نحن لا نتحامل، إذا كان المقصود بـ"السلفية" هو فهم الكتاب والسنة وفق فهم السلف، فأتباع الأئمة الأربعة يفهمون الكتاب والسنة بفهم السلف، ولذلك تتعجب إذا قلدت "مالكا" لا تسمى "سلفيا"، أما إذا قلدت "الألباني" أو "ابن العثيمين" أو "ابن باز" تسمى "سلفيا"، أليست هذه بدعة؟
أليس من البدع أن يأتي أحد المسلمين فينشئ طائفة تضلل جمهور الأمة الإسلامية وتزعم أنها هي الفرقة الناجية، وأن من خالفها على ضلال وأنه من المبتدعة، والذي خالفها منهم هم جمهور الأمة الإسلامية، ولذلك أنا أعكف الآن إن شاء الله على تأليف "قاموس البدع السلفية".
عندما أقول "السلفية"، أنا لا أقصد السلف الصالح، وإنما أقصد هذه الطائفة التي أنشأتها المخابرات البريطانية، هذه الطائفة التي رضي عنها الاستعمار، كيف تتصورون أن الدعاة يطاردون في كل أنحاء العالم، بينما أوروبا وأمريكا تمنح إقامات وملاذا آمنا لمشايخ هذا التيار السلفي، مثلا أين يعيش "أبو قتادة" وغيره؟ هؤلاء كلهم عندهم جنسيات بريطانية وأمريكية، وحتى مواقع الإنترنت كلها مواقع موجودة في أمريكا، من الذي يمول هذا التيار السلفي الذي يدعو إلى طاعة الحكام، الذين تنصبهم أمريكا، وكل من تغضب عليه أمريكا يحارب، فلماذا ضللوا سيد قطب؟ ولماذا ضللوا كل العلماء العاملين؟ فكل من ترضى عنه أمريكا يرضى عنه السلفيون، وكل من لا ترضى عنه أمريكا يحاربه السلفيون.
أما كونهم منتشرين عبر أصقاع العالم، فهم منتشرون عند العوام، والعوام كما هو معلوم مساكين لا مذهب لهم، قالوا لهم "دعكم من مذاهبكم، دعكم من أحمد والشافعي وأبي حنيفة ومالك"، أخرجوهم من مذاهبهم ثم أنشئوا منهم مذهبا خامسا، وهذا المذهب الخامس لا قواعد علمية له، ولا مشايخ نعرفهم، فهذا يقلد هذا، وهذا يضلل هذا، وهذا يبدع هذا، وهذا يكفر هذا، وكما قلت سابقا إن هؤلاء اتفقوا على تضليل بعضهم البعض، ولذلك على الأمة الإسلامية أن تحذر من كل هذه المذاهب، التي صنعتها المخابرات البريطانية، التي كانت في الماضي وراء نشأة "البهائية" و"القاديانية".
* لكن الأفكار السلفية التي تتحدثون عنها تلقى استجابة واسعة لدى الشباب الجزائري، وهذا التيار اليوم في تنام مستمر، في ظل هذا الواقع الجديد.. كيف تتصورون مستقبل السلفية في الجزائر؟
أولا مستقبل هذا التيار المتمسلف إلى زوال؛ لأن الباطل لا يمكن أن يدوم، فالباطل كما يقال له جولة والحق له صولة، وعلينا أن نتذكر أن الحجر الأسود خطف من الكعبة مدة 300 سنة، وعلينا أن نتذكر أن "المعتزلة" كانت لهم دولة عذبوا فيها "الإمام أحمد"، وعلينا أن نتذكر أن الدولة الفاطمية قامت في الجزائر مئات السنين، لكن الجزائر وكذلك المغرب العربي كله ينفي خبثه، لذلك فقد رفضت الأمة الدولة الشيعية وعاد الفقه المالكي وعادت الأمة إلى السنة والحمد لله، فعلينا أن نتذكر كل هذا، ما دام أن هذا التيار صنيعة استخباراتية، وما دام أنه يمكن له في الأرض، لأجل ضرب الصحوة الإسلامية وإبعادها عن مسارها الحقيقي وإبعادها عن مرجعياتها الحقيقية، فإن الأمة والحمد لله تفطنت لكل هذا، وظهرت مؤلفات وكتيبات ودعاة قاموا بتنويرها، والحمد لله الأمة الآن تميز بين الحق والباطل، فأنا متأكد أن هذا التيار إلى زوال.