سؤال " مصر إلى أين بعد مرور 36 عاماً على حرب أكتوبر ؟ " استهل صالون إحسان عبد القدوس أمس السبت أولى فعاليات الموسم الثقافى الجديد بنقابة الصحفيين . أدار الصالون الصحفي حمدي عبدالرحيم ، وحاول الإجابة على التساؤل كل من الفقيه الدستوري د. يحيى الجمل ، الأديب د. علاء الأسواني ،السفير ابراهيم يسري ، د. كريمة الحفناوي ، وتخللها فقرات شعرية للشاعر المصري جمال بخيت .
استعار مدير الندوة وهو المسئول الثقافي لجريدة "الشروق" المصرية عبارة الأديبة بنت الشاطئ: لقد أخذوا منا يوما وارف الظلال وهو العاشر من رمضان وأعطونا تاريخا لاتينيا أخرسا وتعني 6 أكتوبر ، يعني أننا لا نحتفل به في شهر رمضان وإنما في أكتوبر ، واستنكر حالنا ؛ فبعد العبور كان المصريون يتوقون لنهضة شاملة، والآن أصبح قصارى همنا أن نتصدى للقمامة، أن نجد نقطة ماء نظيفة، ورغيف خبز، وأن نقف ضد التوريث !.
ثم تحدث الفقيه الدستوري د. يحيى الجمل وتذكر أنه في 6 اكتوبر يوم العبور كان في باريس وكان ينوي التوجه بعدها لإيطاليا فعرف من الشباب العرب خبر عبور القوات المصرية القناة ، فعاد إلى الإسكندرية يوم 19 أكتوبر وكان لم يرها بهذا الجمال والرقي من قبل، وشعر كيف كان الجميع يعيشون أجواء الحرب والانتصار.
يحيى الجمل
وبرأي د. الجمل فقد كانت هناك مقدمات للنصر منها أصالة الشعب المصري حين تمسك بزعيمه عبد الناصر وأثناه عن قرار التنحي، وقد كان عبد الناصر زعيما صلبا أعاد بناء الجيش ومكنه من خوض حرب أكتوبر 73 ومن ثم الانتصار ، أيضا من مقدمات النصر التنسيق بين السوريين والمصريين في هذه الحرب ، بالإضافة إلى الخداع الاستراتيجي الذي تم ببراعة فائقة ومن أمثلة ذلك ما قامت به زوجة القائد العام للجيش المصري حينها المشير احمد إسماعيل التي ذهبت لأداء العمرة صباح يوم 6 أكتوبر وذهب معها زوجها المشير إلى المطار ليودعها الساعة 11 صباحا، وكان يعلم جيدا أن إسرائيل ترصد تحركاته بدقة، وحينما تجد الأمور بهذا الشكل لا تتوقع إسرائيل أن تبادر مصر بالحرب في هذا اليوم .
لكي نرصد بدقة أين نحن الآن بعد 36 عاما من حرب أكتوبر ، يرى الجمل أن علينا مقارنة أنفسنا ببعض البلاد الأخرى التي بدأت معنا مسيرة التنمية مثل الهند وماليزيا ، فقد أصبحا من القوى العظمى في العالم الآن، أما نحن فلم نشهد سوى التردي في كل المجالات التعليم، الصحة، كما نشهد مظاهر التدين المغشوش التي لاتغني من جوع.
مضيفا : إن التقدم في العالم يقوم على قدمين اثنين هما الديمقراطية والبحث العلمي، ونحن لا نملك أيا منهما، ويكفي أن نعرف أن قضية القضايا الآن هي كيفية محاربة "الجمهوريات الملكية" التي ابتدعتها بعض الدول العربية ونحن ننتظر تطبيقها، ولا يشغلنا علم او ثقافة أو سيادة قانون او ديمقراطية.
معارضة كارتون
السؤال الحقيقي هو ما الذي كان موجودا أثناء حرب أكتوبر واختفى الآن؟ هكذا تساءل الأديب والروائي الكبير د.علاء الأسواني في بداية كلمته داعيا لعقد مقارنة بين المجتمع المصري عامي 1973 و2009 ، ورأى أنه يكمن في أننا في السبعينات كنا كمصريين نعيش شعور الأمة الواحدة حين تكون أهداف الوطن أهم من أهداف الفرد الخاصة ؛ فمنذ 6 أكتوبر حتى 26 اكتوبر لم تسجل أقسام البوليس أية حادثة سرقة أو مشاجرة، كانت مصر كلها تحارب، أما الآن فنحن مجرد مجموعة من الأفراد يتملكنا اليأس وأصبح ما يشغلنا هو مصلحتنا الفردية .
أيضا في حرب أكتوبر تم إعطاء فرصة للكفاءات الحقيقية أن تظهر لكن الآن عنصر الكفاءة ليس هو العنصر الفاصل في الاختيار بمصر، والمناصب تعطى للأقرب للنظام وللمسئول ، ورأى أننا نؤيد الرئيس عبر ابتكار وسائل النفاق والمداهنة.
علاء الأسواني
ويتابع الأسواني : في أكتوبر شعر كل جندي أن ما يقدمه يصنع النصر، وهذا عكس ما يدور حاليا في مصر فالمواطن لا يحسب حسابه في القرارات الخاصة به، فيشعر أنه غير مؤثر في بلاده، والدليل على ذلك ان الإقبال على انتخابات النوادي والنقابات أكثر بكثير الإقبال على الانتخابات العامة لرئاسة الجمهورية ، مؤكدا أن ما نفتقده الآن مشروعا قوميا يجمعنا ، وهي فكرة نسفها النظام الحالي برأيه ، ودلل على ذلك بقول أحد أهم الاقتصاديين المصريين د. جلال أمين أن مصر كانت أكثر انتعاشا وقت الاحتلال عن الآن .
بعد مرور 36 عاما على النصر أصبحنا نفتقد الحد الأدنى من الحياة، ووصلنا إلى الحضيض ولكن بعد الكبوة يكون النهوض ، ويعتقد الأسواني أننا نفتقد أحزاب المعارضة في مصر ؛ لأن الحزب يتكون في الشارع من الناس، لكن ما يتم في مصر هو العكس فقد قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية عن ذلك: النظام المصري هو النظام الوحيد في العالم الذي يختار المعارضة الملائمة له ؛ فالأحزاب الحالية كارتونية مجمدة يحتفظ بها النظام في "الديب فريزر" ويخرجها وقت الحاجة إليها، هي مجرد كومبارس في الحياة السياسية، وهناك أحزاب حقيقة موجودة في الشارع ولكنها غير مرخصة، ومن ذلك حركة كفاية التي أحدثت تغيرا في الشارع المصري، فلم يكن متصورا منذ 10 سنوات أن يخرج الشباب في الشوارع يطالبون بسقوط النظام الحالي، ودعاها فقط لان تطور رؤيتها وألا تستسلم للضغوط.
على ضفاف الشعر
كان موعد الندوة مع الشعر حيث ألقى الشاعر جمال بخيت قصيدته "مش باقي مني" وفيها:
مش باقي مني
غير شوية ضي ف عينيا
أنا مش عايزهم
لو كنت يوم هالمحك
وانتي بتوطي
في معركة مافيهاش
ولاطيارات ولاجيش
وانتي ف طابور العيش
بتبوسي إيد الزمن
ينولك لقمة
من حقك المشروع
مش باقي مني.. غير
شهقة ف نفس مقطوع..
بافتح لها سكة
ما بين رئة.. وضلوع..
ما بين غبار.. ودموع..
وأنا تحت حجر «المقطم»
ف الدويقة باموت
أنا.. والعطش.. والجوع..
يئن تحتي التراب
وانا صوتي مش مسموع..
الجنود المصريين في حرب اكتوبر
نصر مسروق
كان السفير إبراهيم يسري في كلمته أشد المتفائلين حين قال أن الاستسلام لليأس الذي طال أمده آن له أن يذهب، داعيا الصحافة لبث الوعي لدى المواطن المصري بأهمية المشاركة السياسية ، وحقوقه كمواطن ومن أهمها أن يشارك في صنع التغيير ببلاده ، لا ان يكتفي بدعاء "حسبنا الله ونعم الوكيل" ، وهو دور يجب أن تلعبه النخب المثقفة إلى جانب الإعلام.
أما د.كريمة الحفناوي فرأت أن تعبير د. يحيى الجمل "الجمهورية الملكية" يلخص فعلا ما آلت إليه الأوضاع في مصر بعد مرور 36 عاما على حرب أكتوبر المجيدة، معتبرة أن النصر سُرق منا بفضل هذا النظام، وأن دماء الشهداء بيعت بفضل نظام خانع لأمريكا .
منا استشهدت بأبيات شعر قرأتها تقول :
نص البلد عسكر على نصها
لو كانوا سابوهم زرعوا أرضها
مكانش فلاحها شحت قمحها
ولا كان سكت بين الأمم حسها
وأكدت الحفناوي على حقيقة أن من يأكل من حصاد يده يملك قراره، آسفة لتراجع مصر في زراعة القمح ، مشبهة الأوضاع الحالية بزمن ما قبل الثورة حينها كانت هناك طبقة كبار الملاك من القلة الحاكمة المنتفعة .