قالت بانفعال شديد وعصبية بالغة لابد أن أترك هذا الرجل، فقد أصبحت الحياة بيننا مستحيلة، طلبت منها أن تهدأ، فصرخت بشدة أريد الطلاق ولا شيء غير ذلك.
رددت عليها بقوة: وما يمنعك من ذلك احصلي على الطلاق، إنك لا تريدين كفرا، لقد شرع الله الطلاق كما شرع الزواج إنه ليس نهاية العالم.. اعتبري نفسك قد طُلقتي وانتهت مأساتك،
فأجهشت بالبكاء، وأخذت تردد أنها وصلت لغاية الألم، واستبد بها اليأس، وأنها تتحمل ما لا يطيقه أحد.
وحين هدأت قليلا قلت لها لا تنزعجى أن الحياة الزوجية شركة، وهذه الشركة لها أسس وقواعد قامت عليها وهى تدور بين الربح والخسارة، وهذه الشركة من الممكن أن تنتهي ولكن علينا أولا أن نعى أنه حين يضعف الإيمان وتهتز الثقة بالنفس يصبح من السهل جدا أن يميل الواحد منا إلى الهدم وإلى الإطاحة بمنجزاته، وإلى أن ينحدر بسقف طموحاته.
وإذا كان بناء حياة اسرية ناجحة يخاطب به كلٌ من الرجل والمرأة إلا أننا في حديثنا إلى المراة ومحاولة القاء الضوء على دورها في إنجاح هذه الشركة علينا ألا نغفل شيئا هاما وهو أن الصورة التي باتت تنعكس للحياة الأسرية للكثيرين من حولنا هي صورة باهتة، وأصبحت الفتاة غالبا ما ترى وتسمع حتى قبل أن تبدأ حياتها الزوجية عن حالات طلاق كثيرة وكأنه أمر عادى.
وتلعب وسائل الإعلام خاصة التي تحارب شريعتنا وتمتلئ حقدا على أمتنا وتريد أن تجعل الأسرة المسلمة متصدعة حتى تنال من أوطاننا وحياتنا، وهى تسعى إلى هدفها الدنيء بخطوات شيطانية يصعب - إلا على من رحم ربى- أن ينتبه لها، فهي تقدمه في صورة الناصح مرتدية قناع التقدم والتطور وملائمة العصر، وأصبحت الفتاة المسلمة التي هي الهدف الأساسي من وراء تلك النعرات والحملات تنساق وراء كل ما يقدم لها متصورة بذلك أنها تحقق ذاتها، وتصون كرامتها، ولا يخفى على أحد تقصير بعض الصالحين، والمصلحين في معالجة ما يطرأ من أحداث وتطورات حتى اتسعت المسافة بين ما يريده المنهج الإسلامي الحق للمرأة وبين ما يزينه لها الآخرون من تمرد وخداع.
لقد تشبعت الكثيرات بفكرة أن طاعة زوجها في ما لا يسخط الله إنما هو إهدار لكرامتها، وأن عليها حتى لا تدهس أن تنسلخ من معايير حياتها الزوجية التي وصفها الله بأنها ميثاق غليظ.
الأسئلة العشرة:
أيتها الزوجة المسلمة الغالية لنضع النقاط على الحروف حتى تتضح لنا الرؤية واعلمي أن القرارات السليمة لا تأتى من انفعال يغطي العقل، ويواري الحكمة، بل تنبع من فكر هاديء متروي، لذا عليكِ أن تسكتي الغضب عنك وتسترجعي بعض الأمور، وتحاولي الإجابة عن عدد من الأسئلة بتفكر وصدق مع نفسك لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.
أولًا: تذكري استعدادك للزواج، وكيف كان حماسك ورغبتك في إنجاح وإسعاد حياتك.
ثانيا: تذكري الأزمات التي مرت عليكِ، ولكن بفضل الله ثم رغبتك في اجتيازها، وعزيمتك على الصمود والنهوض خرجتِ منها أقوى وأسعد، لا تركزي عند تذكر الأزمات على نكران زوجك، وسوء تصرفه، بل على نجاحك وصلابتك وقوة عزيمتك.
ثالثا: هذا الرجل الذي قدره الله لك زوجا أليس هو السكن لك؟، ألم تجمعكما أشياء كثيرة مشتركة؟
ألا تذكرين له إلا العيوب فقط.. كوني منصفة، وتذكري مزاياه، حتى يكون قرارك عادلا مع نفسك، نابعا من رؤية واستحضار للحياة بحلوها ومرها، فهذا أدعى لحمايتك من الندم.
رابعا: ألم تجمعكما لحظات سعادة، واتفقتما على أحلام مشتركة، كانت الدنيا في نظريكما سفينة مشتركة تجمعكما، تذكري هذه الروح التي جمعتكما.
خامسا: هذا الرباط الذي جمع بينكما، وكانت ثمرته تلك النبتة الصغيرة التي لا ترى في الحياة إلا أنت كأم على جانبها، وهذا الأب على الجانب الآخر، هذه النبتة ألا تستحق التضحية والصبر، أليست أغلى ما في حياتك؟، وأثمن من كل أحلامك؟، ومذهبة لهمومك؟
هل يصل القلب إلى تلك القسوة التي يدهس بها تلك النبتة.. الذرية التي منحكِ الله إياها، هل تسمحين لأحد بأن يحرمها الدفء والشعور بالجو الأسرى الآمن، من هذا السياج الذي يحمي وجدان الطفولة البريئة.
سادسا: ألم تعلمي وأنت تبنين حياتك الأسرية أن البناء أحيانا يكون سهلا، وفي أحيان أخرى يكون عسيرا، وقد تأتي الرياح الشديدة فتصعب البناء وتنذر بالهدم.. ولكن بالصبر عليها والحكمة فى التعامل معها تمرين منها وتخرجين أقوى وأفضل؟
هل تتصورين حياة كاملة، لا تعب فيها ولا مصاعب، كيف وقد قال الله تعالى:" لقد خلقنا الإنسان في كبد".. أنا لا أدعوكِ إلى تحمل الآلام على اعتبارها شرطا من شروط الحياة، وإنما أن تدركي في طلبك للسعادة،وهربك من الضيق أن الحياة الدنيا طبعت على كدر، وأن السعادة فيها قرار داخلي واختيار، ومهما تراءت لك حياة الآخرين جميلة مكتملة، ومهما صور خيالك الراحة والفرحة في خيارات مزينة بعد الطلاق، فتذكري أنها دنيا..طبعت على كدر، ولا تسلم من التنغيص.
سابعا: كيف يُستخف بك ويلقى في روعك أنك تستطيعين أن تنجحي في أشياء أخرى يزينها لكِ البعض، وقد فشلتِ بإرادتك في المحافظة على كيان صغير أنتِ جزء منه؟
ثامنا: هذا الزوج الذي رغب فيكِ زوجة وارتضيتهِ زوجا، هل يعجزك أن تسعدي به ويسعد بك، وأنت التي تملكين كل هذا الحنان والحكمة في تدبير الأمر والذكاء في التعامل؟
تاسعا: ألا تعلمين أن جهادك لإنجاح حياتك الزوجية هو ما أمرك به ربك وطلبه منك رسولك الصادق الامين صلوات ربى وسلامه عليه؟
عاشرا: هل تقبلين بالفشل هل تستسلمين وتخسرين وتظنين أن توهب لكِ السعادة بدون الأخذ بالأسباب، هل يزين لك الشيطان أن الراحة والسعادة خارج بيتك وسكنك؟
فتأملي إذًا في هذه القصة: يحكى أن امرأة خرجت من بيتها غاضبة عازمة على الطلاق تعانى الكثير من المتاعب والمشقة فى حياتها، وفى طريقها إلى بيت عائلتها القديم اسمعها الله قارئًا يقراْ قوله تعالى:{لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ}.. فتوقفت وتذكرت ما يمكن أن تكون صورة الكبد الذي سوف تلاقيه في بيت أسرتها، واستعانت بالله وقررت العودة إلى مكانها الطبيعي، وقد أضاءت بصيرتها بأن تتعامل مع ما هى فيه من كبد واثقة أن الله سيحييها حياة طيبة إذا حصنت نفسها بذكره، ثم عزمت على تصحيح مسارها والرباط على الثغر الذي أقامها الله عليه.
وختامًا فإن أمتنا المسلمة القوية هى عبارة عن مجموع الأسر المسلمة الصغيرة القوية فلا تنسى أنكِ أنتِ الدرع الواقي الحامي لكل ذلك، وتلك حقا كرامتك.