لا شك أن الجميع يفرح ويسعد بقدوم شهر رمضان، ذلك الشهر الكريم الذي يهلُ علينا كل عام في موعده دون تقدم أو تأخر، غير أن هذه السعادة تتباين أسبابها من شخص لآخر؛ فالمؤمنون يبتهجون لأنه اتيحت لهم فرصة إدراك هذا الشهر الكريم الذي هو شهر التوبة والمغفرة والعتق من النار، فيجهزون أنفسهم ويعدونها للعبادة والطاعة والتزود من الهدى والتقوى، فيما آخرون لا يرون في رمضان إلا شهر تسلية وتكاسل عن العمل وأكل وشرب، فيمر عليهم الشهر مرور الكرام لم يخرجوا منه إلا وقد ثقلت أجسادهم وقست قلوبهم واسودَّت وجوههم، وقد ضيعوا فرصة ربما لا تأتيهم مرة أخرى.
وحال الناس في رمضان يرتبط ارتباطًا وثيقًا بما قبله؛ فرمضان ليس ضيفًا عاديًّا يمكن أن نستقبله دون إعداد واستعداد، بل يجب أن نحسن الاستقبال حتى يمكن أن يعم علينا خيره فيغادرنا وقد عز علينا ذهابه، فتمتلئ نفوسنا شوقًا لمجيئه العام المقبل.
في البداية يضع الباحث الإسلامي الدكتور وصفي عاشور أبو زيد شروطًا أساسية حتى يمكن الاستفادة من شهر رمضان، فيقول: إن الأسرة المسلمة يجب أن تستعد لاستقبال شهر رمضان على مستويات عدة منها ما هو إيماني ومنها الاجتماعي ومنها الاقتصادي، فأما الإيماني فيجب عليهم الإكثار من الصيام في شهر شعبان والتعاهد مع القرآن وشحذ الهمة واستحضار النية للخروج بأقصى زاد ممكن من الشهر الفضيل. وأما الجانب الاجتماعي فبتهنئة الأقارب والجيران وإظهار البهجة بتعليق الزهور والورود؛ لكي يُدرك الأطفال أننا مقبلون على شيء مبهج وكريم. وأما على المستوى الاقتصادي فإنه يجب ألا تجعل الأسرة من شهر رمضان مأكلة ومشربة، بل المفروض أن يقل الطعام والشراب لتتهيأ النفس لتلقي الفيوضات والبركات؛ إذ كثرة الطعام والشراب تثقل النفس وتقسي القلب وتظلم النفس.
وهنا يُنبه الدكتور أبو زيد إلى أهمية أن لا تقع الأسرة ولا الأفراد ولا المجتمعات المسلمة فريسة قبل رمضان وفي كل الأيام للعروض والتخفيضات والإعلانات والمغريات التي يقدمها أصحاب التجارة للناس، فيشترون ما لا يحتاجون؛ إذ الواجب أن يكون ضابطهم في هذا الأمر هو مدى حاجتهم لا ما يُعرض عليه تخفيضات وعروض، وليسأل كل منا نفسه: هل أنا بحاجة إلى هذه البضاعة أم لا؟ فإن كان يحتاجها اشتراها وإلا فلا.
ويتفق مع ما ذهب إليه الدكتور أبو زيد الباحث الإسلامي عصام زيدان إذ يقول: إن الأسرة المسلمة يحسن أن تبادر قبل دخول الشهر الفضيل بالاستعداد له؛ حتى يتسنى لها الاستفادة منه على أكمل وجه.
والاستعداد هنا يكون من ناحيتين الاستعداد المادي والاستعداد الإيماني، ونقصد بالاستعداد المادي أن توفر ما قد تحتاجه من مستلزمات خلال الشهر الكريم بدون إسراف ولا تقتير؛ حتى يتسنى لها الحفاظ على أوقاتها في هذا الشهر من الضياع.
أما الاستعداد الإيماني فيكون بالتدرب على العبادات والمواظبة عليها بحيث تلين القلوب وتتحقق الاستفادة الكاملة بإذن الله خلال شهر رمضان الكريم.
ويوضح الأستاذ زيدان أن أهم ما يجب أن تعتني به الأسرة وهي بصدد الاستعداد الإيماني هو قراءة القرآن الكريم فيكون لها ورد يومي من القراءة والإقبال على كتاب الله عز وجل، بحيث تنتهي منه ولو مرة واحدة قبل دخول الشهر الفضيل.
كما يجدر بها وهي بين يدي شهر شعبان أن تغتنم الفرصة وتكثر من الصيام التزامًا بهدي النبي والذي كما أخبرت عائشة -رضي الله عنها- كان يصوم أكثر شهر شعبان ويقول: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ".
ومن بين الاستعداد الإيماني كذلك إحياء شعيرة قيام الليل ولو بركعتين فقط يوميًّا تركعهما الأسرة في جماعة قبل النوم، فتكتب عند الله من القائمين، ويَسهل عليها بعد ذلك القيام في رمضان.
وحول مواجهة المغريات والإعلانات التي تُروج للمسلسلات وبعض الأطعمة، يرى الأستاذ زيدان: أن الأسرة المسلمة في رمضان وغير رمضان لا تُقبِل إلا على الطيب من البرامج، ومن ثَم لا تقع فريسة تلك الإعلانات والمسلسلات التي تُضيِّع أوقاتها في غير ما يُفيدُها، فالأسرة المسلمة الحقيقية لا تشغل أوقاتها إلا بالنافع والمفيد من البرامج التي ترشدها إلى ما ينفعها في أمر دينها ودنياها، وهي على يقين من أن تلك المسلسلات والإعلانات تلهيها عن ذكر الله تبارك وتعالي، وتسرق أعمارها التي ستسأل عنها يوم القيامة.
أما الباحث الإسلامي عبد العزيز الشامي، فيرى أن الأسرة هي المحضن الأول لنشأة الصغار.. فلاحهم وسعادتهم مقصد كل أب وأم, ولا بد للأسرة من التكاتف والتعاون على البر والخير وطلب العلم واغتنام الخيرات وترك المنكرات، ومما ينبغي على الأسرة أن تقوم به استعدادًا لدخول الأيام المباركة أن تتطلع لرؤية الهلال، وأن يُهنئ الأب والأم الأبناء والأقارب وأن تظهر الأسرة سعادة لدخول أيام الخير ليغرس في نفس الصغار حب هذا الشهر والتطلع إليه، وكذا لا بد للأبوين من إرشاد الأولاد وتذكير الشريك الآخر بفضائل الشهر الكريم، ومن أهم ما ينبغي على الأسرة فعله:
1- الاهتمام بالتربية الإيمانية للأبناء وشريك الحياة: كالحرص على المحافظة على الصلاة من قبل دخول الشهر، ومراجعة فقه الصيام, والحرص على ختم القرآن في رمضان، والحفاظ على صلاة التراويح، وتعويد الصغار على الصيام.
2- تنمية العلاقات بين الأرحام والأقارب: بصلة الرحم ودعوتهم للإفطار ونصحهم والإهداء لهم.
3- متابعة الأبناء: متابعتهم في تأدية الصلاة وختم القرآن وتعليمهم المعلومات المهمة في فقه الصيام.
4- الإفادة في نشر الخير ودعوة المسلمين لأعمال البر: مثل دعوة الأصدقاء أو الزملاء في الدراسة لصلاة التراويح مثلاً أو الحرص على تلاوة القرآن أو الاستفادة من قناة فضائية أو موقع على شبكة الإنترنت.
5- تنسيق وتوزيع الأدوار بين أعضاء الأسرة في الخدمة والمساهمة في أعباء ومسئوليات المنزل والهدف هو إعطاء المرأة حقها في العبادة.
6- عدم إخلاء ساعة في يوم أو ليل في رمضان من نافلة أو عمل نافع وصالح، أو على الأقل نية حسنة.
7- اغتنام الأوقات المباركة واستشعار حديث الرسول: "اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".
8- التخفيف من مشاهدة التليفزيون وخاصة القنوات الهابطة وترك بحور الدراما والإقبال على القرآن العظيم تلاوةً وتدبرًا وسماعًا وحِفظًا.
9- تعليم الأسرة أن رب رمضان رب غيره، فلا ينبغي للفتاة أن تلزم المساجد محتشمة ملتزمة مصلية حتى آخر يوم من رمضان ويوم العيد نراها متبرجة متعطرة، بل نعلِّم الأبناء أن الصيام يعقبه هداية ونورًا ورحمةً وسدادًا.
ويلفت الأستاذ الشامي النظر إلى مشكلة مهمة وهو ما يتعلق بالمرأة المسلمة في رمضان؛ إذ إن بعض النساء تُريد في شهر رمضان أن تتفرغ للعبادة وتستغل كل الوقت للتزود من الطاعات ولكنها في حقيقة الأمر تجد نفسها في مشاكل كثيرة تتكاثر علينا الأعباء المنزلية والوقوف في المطبخ وعمل أنواع مختلفة من الأطعمة والمشروبات، ثم تأتي العزومات والزيارات وما أدراك ما العزومات والزيارات! ويضيع الوقت والجهد وقد لا تستطيع المواظبة على صلاة القيام وقراءة الورد اليومي من القرآن؛ لذا ينبغي على المرأة أن تنتبه ولا يضيع منها رمضان، بل تبخل بوقتها ودينها أن يزول.