تقديم:لمصر الحديثة تجربة ثرية ورائدة فى مجال
التطور الدستورى سبقت بها الكثير من الدول فى الشرق والغرب .. فى الشمال
والجنوب.. تجربة تكشف عن سعى متواصل لا ينقطع، وعزيمة صلبة لا تنكسر، ونضال
مشتعل لا يخبو لشعب عريق .. صاحب حضارة عريقة علمت العالم وأبهرته، من أجل
إرساء مبادئ الحق والعدل الاجتماعى، وأسس الشرعية الدستورية، وقيم الحكم
الديمقراطى الحقيقى، الذى يحقق له ذاته، ويصون كرامته، ويؤكد ريادته، ويحفظ
حقوقه.
وعلى مدار قرنين من الزمان عرف النظام
السياسى المصرى العديد من أشكال الوثائق الدستورية المنظمة للحياة السياسية
المصرية، تنوعت مسمياتها ما بين قوانين نظامية، ولوائح أساسية، وأوامر
ملكية أو خديوية، وإعلانات دستورية، ودساتير.
هذه الوثائق على اختلاف مسمياتها تؤشر
بوضوح للفترات التاريخية المختلفة، والمشاهد، والأحداث، والتطورات التى
شهدتها مصر منذ عصر محمد على- الذى اختاره الشعب المصرى حاكماً له رغماً عن
أنف السلطان العثمانى فى 9 يوليو عام 1805- وحتى ثورة الخامس والعشرين من
يناير فى عام 2011.
ورغم الفاصل الزمنى الطويل بين مشهدى
البداية والنهاية للسياق التاريخى للتطور الدستورى فى مصر .. بين لقطة
الإطاحة بالوالى العثمانى خورشيد باشا، ولحظة تنحى الرئيس السابق حسنى
مبارك، فإن المسببات والدروس المستفادة فى الحالتين تكاد تكون واحدةً،
فانتفاضة الشعب المصرى فى كليهما كانت ثورةً على الظلم والفساد، وسوء
الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وإسراف وبذخ النظام الحاكم،
وانفصاله عن المواطنين، واستخفافه بعقولهم ومشاعرهم، وتفشى الرشوة
والمحسوبية والشللية، كما أن المشهديْن أكدا - بما لا يدع مجالاً للشك- أن
رهان الحاكم ينبغى أن يكون على شعبه، وليس على قوى أمنية أو جهات خارجية لن
تستطيع مهما أُوتيت من قوة أن تصمد فى وجه الإرادة الشعبية، لاسيما إذا
كانت إرادة شعب فى حجم وعظمة ورقى ووعى ونضج الشعب المصرى.
ويُمثل الاستفتاء على التعديلات الدستورية
المزمع إجراؤه يوم 19 مارس الجارى - وكما يرى المستشار الدكتور، محمد أحمد
عطيه – رئيس اللجنة القضائية العليا المشرفة على الاستفتاء والنائب الأول
لرئيس مجلس الدولة - أولى خطوات مصر فى سبيل الحرية والعدالة والديمقراطية،
كما يُعَدُ أول ثمرة من ثمرات ثورة 25 يناير، وخطوةً أساسيةً من خطوات
التحول الديمقراطى نحو الدولة المدنية الحديثة، ونقل السلطات الدستورية
والقانونية العليا إلى سلطة مدنية منتخبة من الشعب، والتأسيس لجمهورية
جديدة تعلى مبادئ القانون والعدل والمساوة.
- 1 - تعريف الدستور:
- الدستور هو القانون الأساسى أو الأسمى لأية دولة بما يحويه من
تنظيم لسلطات الدولة العليا واختصاصاتها وحدودها وضوابطها من ناحية
وعلاقتها بالمواطنين وحقوقهم من ناحية أخرى .
- الدستور أهم القوانين السارية في الدولة، بل أساس هذه القوانين، ويجب ألا تخالف القوانين حكماً أو أحكاماً دستورية.
- الدستور هو الوثيقة التى تحوى فلسفة الدولة التى تنبثق من مجموعة
العقائد والقيم المتصلة بتراث شعبها الحضارى، والتى تساهم فى وضع تصور شامل
لإطار حركة الجماعة السياسية فيها، وتحديد معالمها وأهدافها، على المدى
الزمنى الذى يرى الشعب فيه صلاحية هذه الأيدلوجيات للتطبيق.
- الدستور هو مجموعة القواعد التى تحدد الأسس العامة لطريقة تكوين الجماعة وتنظيمها .
- الدستور هو مجموعة القواعد القانونية المنظمة لممارسة السلطة
ومصادرها، والعلاقة بين القابضين عليها، والأشخاص المعنوية والطبيعية
العاملين تحت إمرتها ، وكذلك القواعد المتعلقة بالضمانات الأساسية للحقوق
والحريات العامة فى المجتمع.
- الدستور هو مجموعة القواعد القانونية التى تبين وضع الدولة، وتنظم
السلطات فيها من حيث التكوين والاختصاص، وتحديد العلاقة بينها بالإضافة إلى
تقرير ما للفرد من حقوق وواجبات .
- الدستور هو مجموعة الأحكام التى تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيها،
وسلطاتها، وطريقة توزيع هذه السلطات، وبيان اختصاصاتها، وبيان حقوق
المواطنين وواجباتهم .
- الدستور هو القانون الأعلى الذى يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة
(بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم (ملكى أم جمهورى) وشكل الحكومة (رئاسية أم
برلمانية)، وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص، والعلاقات
التى بين السلطات، وحدود كل سلطة، والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد
والجماعات، ويضع الضمانات لها تجاه السلطة.
- 2- أنواع الدساتير:
- من حيث التدوين وعدم التدوين:
- الدستور المكتوب : هو الذى يصدر فى وثيقة مكتوبة، وتحمل أسماءً
مختلفةً كالدستور – النظام الأساسى – القانون الأساسى – الميثاق – الإعلان
الدستورى.
- الدستور غير المكتوب : وهو عبارة عن قواعد عرفية استمر العمل بها
لسنوات طويلة حتى أصبحت بمثابة القانون الملزم، ويطلق عليه بعض الفقهاء
"الدستور العرفى" ، فهو مسـتمد فى أغلبه من العـرف، أو السوابق القضـائية ،
وليس عن طريق التشريع.
- من حيث كيفية التعديل:
- دساتير مرنة: وهى التى يمكن تعديلها بالإجراءات نفسها التى تعدل بها القوانين العادية.
- دساتير جامدة: وهى التى يتطلب تعديلها إجراءات أشد من الإجراءات التى يعدل بها القانون العادى.
- - من حيث فترة سريانها:
- دساتير مؤقتة: وهى توضع لفترة محددة، أو لمواجهة مرحلة معينة،
ومثال ذلك النظام الأساسى أو الإعلان الدستورى للحكم فى الفترات الانتقالية
عند حدوث ثورة أو انقلاب أو تغيير سياسى فى إحدى الدول.
- دساتير دائمة: وهى توضع لتنظيم الجماعة بشكل دائم، ولكن هذا لا
يعنى ذلك أن أحكامها وموادها غير قابلة للتعديل، بل تعدل عندما تظهر الحاجة
إلى ذلك، والمقصود بالديمومة هو أن الوثيقة الدستورية بأكملها لا تستبدل
بأخرى عند انتهاء الفترة المحددة.
- - من حيث الإيجاز والتفصيل:
- الدساتير المفصّلة: لا تحتاج إلى كثرة التعديل، كما أنها تنظم
الأمور الدستورية تنظيماً واضحاً وصريحاً ، كما هو الحال فى أغلب دساتير
العالم.
- الدساتير الموجزة : كما هو الحال فى الدستور الأمريكى.
3- أساليب نشأة الدساتير:
- تختلف هذه الأساليب باختلاف الدول ودرجة النضج السياسى، والتطور
الديمقراطى فيها، إلا أن فقهاء القانون الدستورى قد أجمعوا على أن الدساتير
تنشأ بأساليب أربعة هى:
- أسلوب المنحة: حيث يصدر الدستور فى شكل منحة إذا تنازل الحاكم
بإرادته المنفردة عن بعض سلطاته للشعب، والأصل فى هذه الدساتير أن الحاكم
هو مصدر السلطات، ومنبع الحقوق والحريات، يجمع بين يديه الوظائف
والاختصاصات.
- أسلوب التعاقد: ومن خلاله ينشأ الدستور وفق طريقة العقد بناءً على
اتفاق بين الحاكم من جهة والشعب من جهة أخرى، أى بتوافق إرادتى كل من
الحاكم والشعب.
- أسلوب الجمعية التأسيسية: حيث يصدر الدستور من خلال مجلس أو جمعية
تنتخب بصفة خاصة من الشعب، ونيابةً عنه، ويعهد إليها بمهام وضع وإصدار
دستور جديد يصبح واجب النفاذ، هذا الأسلوب يعد تأكيداً لمبدأ السيادة
الشعبية .
- أسلوب الإستفتاء الشعبى أو الإستفتاء الدستورى: ينشأ الدستور وفقاً
لهذه الطريقة من خلال الإرادة الشعبية الحرة ، وتعد أكثر الطرق
ديموقراطيةً حيث يتم وضع مشروع الدستور بواسطة جمعية نيابية منتخبة من
الشعب، أو بواسطة لجنة حكومية، أو بواسطة الحاكم نفسه ثم يعرض على الشعب فى
استفتاء عام لأخذ رأيه فى مشروع الدستور، ولا يصبح الدستور نافذاً إلا بعد
موافقة الشعب عليه.
4- تعديل الدستور:
- الدساتير ليست أبديةً ، فالمجتمعات البشرية تخضع بصفة مستمرة للتطور والتغير.
- المستجدات وتغيـر وتطور الظروف المحيطة بالمجتمع تقتضى تعديل الدستور من أجل تكييفه، وملائمته مع تلك المستجدات والظروف.
- التعديل الدستورى الناتج عن عملية ديمقراطية واعية تشارك فيها كل القوى الوطنية يعد خطوةً صحيحةً على درب الإصلاح والتحديث.
- الدساتير الفعالة تقتضى تضمينها نصوصاً تسمح بمراجعتها من حين لأخر لأن الجمود المطلق قد يؤدى إلى محاولة تغييرها بالعنف.
- تعديل الدستور هو تغيير جزئى لأحكام الدستور، سواء بإلغاء البعض
منها، أو بإضافة أحكام جديدة، أو بتغيير مضمون بعضها، أما التغيير الكلى
للدستور فلا يشكل تعديلاً له، بل إلغاءً.
5- أسس ومبادئ الدستور الديمقراطى: سيادة الشعب: الشعب مصدر السلطات.
سيادة القانون: القانون أعلى سلطة فى الدولة، ولا أحد فوق القانون.
الفصل بين السلطات وتحقيق التوازن فيما بينها، وعدم تركيز السلطة فى هيئة واحدة.
القيام بمساءلة السلطة التنفيذية عن أداء مهامها وفقاً لاختصاصاتها الدستورية.
تقنين الحقوق والحريات العامة وتوفير الضمانات اللازمة لممارستها.
التداول السلمى للسلطة بين القوى السياسية الشرعية.
المرحلة الأولى من 1805- 1922 تمتد هذه الفترة من تاريخ صدور فرمان السلطان العثمانى بتثبيت محمد على
والياً على مصر فى 9 يوليو عام 1805 حتى صدور تصريح 28 فبراير فى عام 1922
الذى اعترف باستقلال مصر، وألغى الحماية البريطانية عليها، وتحول اسمها من
سلطنة إلى المملكة المصرية.
يُنظر إلى هذه المرحلة باعتبارها المرحلة التكوينية للتطور الدستورى
المصرى حيث صدرت خلالها مجموعة من الوثائق الدستورية أهمها القانون
الأساسى(السياستنامة) فى عام 1837، ولائحة مجلس شورى النواب عام 1866،
واللائحة الأساسية عام 1882، والقانون النظامى المصرى الصادر فى أول
مايو1883، والقانون النظامى الصادر عام 1913.
شهدت مصر خلال هذه المرحلة نضالاً طويلاً للشعب المصرى انتهى بإصدار أول
دستور بالمعنى الحقيقى للبلاد صدر فى 19 أبريل عام 1923، ووفقاً لهذا
الدستور انعقد أول برلمان مصرى فعلى فى 15 مارس سنة 1924.
السياستنامة(القانون الأساسى) 1837: أصدر محمد على القانون الأساسى المسمى (السياستنامة) فى يوليو 1837 ، كأول وثيقة دستورية مكتوبة عرفتها مصر فى العصر الحديث.
ألغى السياستنامة مجلس المشورة الذى أُنشئ عام 1829، وأحل مكانه مجلسين
هما: "المجلس الخصوصى" ووظيفته سن القوانين، و" المجلس العمومى" ومهمته بحث
ما تحيله إليه الحكومة من أمور .
وفقاً للسياستنامة فقد تم تنظيم الحكومة فى شكل سبعة دواوين أساسية هى:
الديوان الخديوى وينظر فى شئون الحكومة الداخلية، وله سلطة قضائية وسلطة
الضبط والربط فى القاهرة، والنظر فى الشكايات وجرائم القتل والسرقة، وهو
يرأس ويشرف على عدة مصالح منها الأبنية والمخبز الملكى، وديوان المواشى،
وترسانة بولاق، والمستشفيات، والروزنامة "إدارة أموال المير"، والأوقاف،
والتمرخانة، ومحاجر طرة، والبوستة، ثم ديوان الإيرادات، وديوان الجهادية،
وديوان البحر، وديوان المدارس، وديوان الفابريقات، وديوان الأمور الإفرنجية
"أى العلاقات الخارجية وشئون الاستيراد والتصدير".
اشتمل السياستنامة أو القانون الأساسى على مقدمة وثلاث فصول تناولت بيان
الترتيبات الأساسية فى تسعة بنود ، و بيان الإجراءات العملية فى 31 بنداً،
وبيان قانون العقوبات فى 21 بنداً.
أبقى السياستنامة على الحكم المطلق، وانعدام الفصل بين السلطات.
أكد واضعوا السياستنامة فى مقدمته على نسبية صلاحية القواعد الدستورية من بلد إلى آخر، وأن ما يصلح لنظام قد لايصلح لنظام آخر.
لائحة مجلس شورى النواب عام 1866: أنشأ الخديوى إسماعيل مجلس شورى النواب عام 1866، ووضع نظامه فى لائحتين
عرفت الأولى باسم "اللائحة الأساسية" ، وقد اشتملت على 18 مادةً تتناول
بيان سلطة المجلس، وطريقة انتخاب أعضائه، وموعد انعقاده، فيما سميت اللائحة
الثانية باسم "نظامنامة" أى اللائحة النظامية، وهى أقرب لكونها لائحة
داخلية للمجلس، وقد تشكلت من 61 مادة.
تكون مجلس شورى النواب من 75 عضواً منتخباً من قبل الأعيان فى القاهرة ،
والأسكندرية ، ودمياط ، وعمد البلاد ومشايخها فى باقى المديريات الذين
أصبحوا بدورهم منتخبين لأول مرة فى عهد الخديوى إسماعيل، بالإضافة إلى رئيس
المجلس الذى كان يعين بأمر من الخديوى .
كانت مدة المجلس ثلاث سنوات ينعقد خلال كل سنة منها لمدة شهرين، وقد
انعقد مجلس شورى النواب فى تسعة أدوار انعقاد على مدى ثلاث هيئات نيابية ،
وذلك فى الفترة من 25 من نوفمبر 1866 حتى 6 من يوليو عام 1879م.
وفقاً للائحته الأساسية، لم تكن للمجلس سلطة فعلية، فهو وإن كان يصدر
قرارات فيما يعرض عليه من مسائل، إلا أن هذه القرارات ظلت مجرد "نصائح" يتم
دفعها للخديوى، وهو صاحب الفصل فيها.
مع مرور الوقت اتسعت صلاحيات المجلس شيئاً فشيئاً، وبدأت تظهر نواة
الاتجاهات المعارضة، وقد ساعد على هذا التطور انتشار أفكار التنوير على يد
مجموعة من كبار المفكرين والكتاب، إضافة إلى ظهور الصحف فى ذلك الوقت، مما
عزز المطالب الشعبية بإنشاء مجلس نيابى له صلاحيات تشريعية ورقابية أوسع.
كان لهذه للمطالب أثرها حيث تمخضت فى عام 1878عن إنشاء أول مجلس وزراء فى
مصر"مجلس النظار" وأعيد تشكيل البرلمان ، ومنح المزيد من الصلاحيات ، وإن
ظلت بعض الأمور خارجة عن اختصاص المجلس، مثل بعض الشئون المالية.
فى يونيه 1879 أعدت اللائحة الأساسية الجديدة لمجلس شورى النواب تمهيداً
لعرضها على الخديوى لإصدارها ، وهى اللائحة التى جعلت عدد النواب 120
نائباً عن مصر والسودان، وكان أهم ما تضمنته اللائحة: تقرير "المسئولية
الوزارية"، ومنح سلطات أكبر للمجلس فى النواحى المالية، غير أن الخديوى
توفيق الذى عُين فى 26 من يونية 1879 رفض اللائحة وأصدر أمراً بفض المجلس.
اللائحة الأساسية عام 1882: تدخلت إنجلترا لدى السلطان العثمانى عام
1879 لعزل الخديوى إسماعيل الذى تمادى من وجهة نظرها فى منح المجلس النيابى
اختصاصات واسعة لم ترض عنها الحكومة البريطانية، الطامحة إلى السيطرة على
مصرليتوقف التطور الديمقراطى فى بداية عهد الخديوى توفيق.
فى 9 سبتمبر عام 1881 اندلعت الثورة العرابية، وكان من بين مطالبها تشكيل
مجلس للنواب، وبالفعل أُجبر الخديوى توفيق على القبول بإعادة الحياة إلى
التجربة النيابية، وأجريت الإنتخابات لمجلس شورى النواب.
وفى 7 فبراير عام 1882 أصدر الخديوى توفيق القانون الأساسى، أو اللائحة الأساسية بعد إقرارها من مجلس شورى النواب.
جاءت اللائحة الأساسية فى 53 مادة ، وقد جعلت الوزارة مسئولة أمام المجلس
النيابى المنتخب من الشعب، والذى كانت له أيضاً سلطة التشريع، وحق سؤال
الوزراء واستجوابهم.
وفقاً للائحة أصبحت مدة مجلس النواب المصرى خمس سنوات، ودور الانعقاد ثلاثة أشهر.
مع ما احتوته اللائحة الأساسية من ملامح نظام ملكى دستورى متقدم، تدخلت
إنجلترا واحتلت مصر عسكرياً، وألغت اللائحة الأساسية، وأفشلت هذه التجربة
الدستورية التى لم تستمر سوى عدة أشهر، وفرضت مجالس هزيلة لا اختصاصات
فعلية لها على شاكلة مجلس شورى القوانين - الجمعية العمومية - الجمعية
التشريعية.
القانون النظامى المصرى فى مايو1883: فى الأول من مايو عام 1883 أصدر الخديوى توفيق ما سمى بـ"القانون النظامى" الذى شكل انتكاسةً للحياة النيابية فى مصر فى ذلك الوقت.
أقر القانون النظامى تكوين البرلمان المصرى من مجلسين هما :" مجلس شورى
القوانين " و " الجمعية العمومية "، كما أنشأ مجالس المديريات التى كانت
وظيفتها إدارية لا تشريعية، ولكنها كانت تختص بإنتخاب أعضاء مجلس شورى
القوانين.
بمقتضى القانون النظامى تم تأسيس مجلس شورى القوانين، وكان يتكون من
ثلاثين عضواً ، يقوم الخديوى بتعيين أربعة عشر منهم بصفة دائمة ، يتم
اختيار الرئيس وأحد الوكيلين من بينهم، أمـا باقى الأعضاء الستة عشر فيتم
انتخابهم، وكان يتم اختيار الوكيل الثانى من بينهم.
تمثلت اختصاصات المجلس فى حقه فى أن يطلب من الحكومة تقديم مشروعات قوانين، ومع ذلك فلم يكن من حقه اقتراح القوانين.
كانت الجمعية العمومية تتكون من النظار (الوزراء) وعددهم 7 وزراء، وأعضاء
مجلس شورى القوانين وعددهم 30 عضواً، والأعيان المندوبين وعددهم 46 عضواً،
وكانت تعقد جلساتها مرة على الأقل كل سنتين ، وكان لا يجوز ربط أموال
جديدة أو رسوم إلا بعد إقرارها .
القانون النظامى الصادر عام 1913 مع صدور القانون النظامى رقم (29) لسنة
1913، تم الأخذ بنظام الجمعية التشريعية، وإلغاء مجلس شورى القوانين
والجمعية العمومية، وهذا القانون لا يختلف عن القانون النظامى الصادر عام
1883، ونقطة الاختلاف تتمثل فى إعطاء الحكومة حق تعيين بعض النواب على أساس
طائفى، أربعة للأقباط وللعرب البدو ثلاثة مقاعد، وهو أمر رمى إلى التفرقة
بين المصريين على أساس الدين والعرق.
تكونت الجمعية التشريعية من 83 عضواً: منهم 66 عضواً منتخباً، و17 عضواً
معيناً، ونص القانون على أن تكون مدة الجمعية التشريعية ست سنوات.
تمثلت اختصاصات الجمعية التشريعية فى وجوب أخذ رأيها قبل إصدار أى قانون ،
مع عدم التقيد بالأخذ بهذا الرأى ، وقد عقدت الجمعية التشريعية دور انعقاد
واحد فقط ، من الثانى والعشرين من يناير عام 1914 إلى السابع عشر من يونيو
1914 ، ولم تعقد أى اجتماعات بعد ذلك لتوقف الحياة النيابية فى مصر بسبب
الحرب العالمية الأولى، وقد صدر الأمر بحل هذه الجمعية فى الثامن والعشرين
من أبريل عام 1923.
المرحلة الثانية من 1923حتى1952 تمتد هذه المرحلة من تاريخ صدور دستور
1923 فى 19 أبريل بالأمر الملكى رقم 42 لسنة 1923، وحتى قيام الجيش بالثورة
فى 23 يوليو عام 1952، واستيلائه على السلطة.
تشكل مرحلةً مفصليةً هامةً فى تاريخ مصر الحديث، وقد سبقها حدثان رئيسيان
كان لهما الأكبر الأثر فى تطورات هذه المرحلة، وهما إعلان تصريح 28 فبراير
فى عام 1922 الذى منح مصر استقلالها القانونى، وثورة عام 1919العظيمة التى
شارك فيها الشعب المصرى بكل فئاته وأطيافه السياسية والاجتماعية، وكانت
سبباً رئيسياً فى نقل مصر إلى مصاف الدول العصرية المدنية الحديثة، وترتب
عليها وضع أول دستور ليبرالى على مستوى مصر والعالم العربى كله وهو دستور
١٩٢٣.
تسمى هذه المرحلة بـ" الحقبة الليبرالية" لما شهدته من إقامة حياة حزبية
تعددية وبرلمانية، وإطلاق الحريات العامة والفردية، وحياة مدنية نشطة،
ومجتمع مدنى مزدهر، ودرجة مناسبة من المشاركة السياسية، ونظام السوق الحر
على المستوى الاقتصادى.
عاب هذه المرحلة تدخلات الملك المستمرة فى الحياة السياسية، وعدم احترامه
للقواعد الدستورية ونزاهة الانتخابات، وسعيه المستمر لإقصاء حزب الوفد
صاحب الأغلبية الشعبية من سدة الحكم لصالح أحزاب الأقلية.
دستور المملكة المصرية عام 1923: جاء إصدار دستور 1923 نتيجة لثورة عام
1919، واعتراف بريطانيا باستقلال مصر القانونى فى بنود تصريح 28 فبراير عام
1922، وتحول مصر من سلطنة إلى مملكة حرة.
عينت الحكومة المصرية لجنة عرفت باسم " لجنة الثلاثين " التى ضمت ممثلين
للأحزاب السياسية، والزعامات الشعبية، وقادة الحركة الوطنية و قد ترأس تلك
اللجنة عبد الخالق ثروت لوضع مشروع الدستور، رغم مطالبة حزب الوفد والحزب
الوطنى بأن يضع الدستور جمعية نيابية تأسيسية منتخبة، وقد استبعد الملك
فؤاد فى ذلك الوقت- من هذه اللجنة أهم الشخصيات من حزب الوفد، مما دعا زعيم
الحزب- سعد زغلول- إلى إطلاق وصف "لجنة الأشقياء" عليها.
صدر الدستور بالأمر الملكى رقم 42 لسنة 1923 فى 19 أبريل عام 1923، وأخذ
بالنظام البرلمانى، حيث فصل بين السلطات الثلاث، واعترف بالرقابة بين
السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأعطى لأعضاء البرلمان الحق فى توجيه أسئلة
إلى الوزراء واستجواب الوزراء، والحق فى طلب إجراء تحقيق، ونص كذلك على
مبدأ المسئولية السياسية للوزراء، وعدم مسئولية الملك.
شهدت مصر من خلال دستور 1923 أزهى عصور الديمقراطية والدولة المدنية، ولم
تكن الشكوى من الحياة الدستورية فى ظل دستور 1923 راجعةً إلى عيوب فى
الدستور فى ذاته، بقدر ما كانت ناشئة - كما سبق القول - عن مخالفة أحكام
الدستور والاعتداء عليه، فقد تعثر تطبيق دستور 1923 من الناحية العملية،
وتم حل مجلس النواب أكثر من مرة، بل أن جميع المجالس التى شكلت فى ظل هذا
الدستور لم تكمل مدتها الدستورية.
أرسى دستور 1923 الكثير من المزايا والمبادئ الليبرالية فى مقدمتها: حرية
الصحافة، وحرية إبداء الرأى, وحرية الاجتماعات، وحرية تشكيل الأحزاب,
وحرية الاعتقاد تطبيقاً لمبدأ "الدين لله والوطن للجميع" , والمساواة بين
المصريين فى الحقوق والواجبات، والحفاظ على حرمة المنازل والممتلكات.
عاب دستور 1923 بعض الأمور فقد أعطى الملك سلطات واسعة منها حقه فى حل
البرلمان، وعزل الوزارة، كما أنه احتوى على مواد متعارضة مثل المادة (23)
التى نصت على أن "الأمة مصدر السلطات" رغم أنه جعل الملك مصدر السلطات، هذا
التناقض يمكن تفسيره فى طبيعة الصراع السياسى الذى كان سائداً عند وضع
الدستور بين اتجاهين طالب أحدهما بتوسيع اختصاصات القصر، بينما أراد الآخر
تضييق هذه السلطات، ووضعها فى يد الشعب المصرى، لذلك خرج الدستور فى
النهاية حلاً وسطاً بين كلا الاتجاهين.
بلغت مواد دستور 1923 (170) مادةً، نظمت وضع الدولة المصرية فى مادة
واحدة، وحقوق المصريين وواجباتهم فى 21 مادةً ، والملك فى 24 مادةً،
والوزراء فى 15 مادةً، ومجلس الشيوخ فى 7 مواد، ومجلس النواب فى 7 مواد،
والسلطة القضائية فى 7 مواد، ومجالس المديريات والمجالس البلدية فى مادتين،
والمالية العامة فى 11 مادةً، والقوات المسلحة فى 3 مواد، وأحكام عامة فى
عشر مواد، بالإضافة لأحكام ختامية ووقتية.
ووفقاً لدستور 1923، أجريت الانتخابات البرلمانية التى فاز فيها حزب
الوفد بالأغلبية، وانعقد أول برلمان مصرى فى 15 مارس سنة 1924، ، واستمر
حزب الوفد وحتى قيام ثورة يوليو عام 1952 صاحب الأغلبية والشعبية،
وأكثرالأحزاب تمسكًا بالدستور ودفاعًا عنه، وارتبط اسم الوفد فيما بعد
بالصراع مع الملك من أجل حماية الدستور.
دستور عام 1930: لم يتحمل الملك فؤاد دستور 1923، و ما
تمخض عنه من حكومة أغلبية وفدية ومجلس نيابى قوى يسيطر عليه الوفد، لذلك
عمد إلى إنشاء أحزاب تكون موالية للقصر لتوازن قوة الوفد وحزب الأحرار
الدستوريين فى الانتخابات و فى المجلس.
وفى عام عام 1930شكل" إسماعيل صدقى" وزارة جديدة، وقام بإلغاء دستور
1923، وأحل محله دستور 1930، الذى أعطى صلاحيات واسعة للملك حتى سمى
بـ"دستور الملك" فى مقابل دستور 1923 الذى سمى بـ" دستور الشعب".
بإلغاء دستور 1923 شهت البلاد نكسةً فى الحياة الديمقراطية، وعرفت مصر فى
بداية الثلاثينات فترة من القلاقل والاضطرابات بسبب معارضة الشعب المصرى
لدستور 1930 الذى زاد من نفوذ الملك وأعطاه سلطات واسعة، ومقاطعة المصريين
للانتخابات التى جرت فى ظله، وأصبحت المناداة بعودة دستور1923 مطلباً
شعبياً واسعاً، حيث نُظر إليه باعتباره ممثلاً لروح الشعب وضماناً لحرياته.
عودة العمل بدستور 1923: لم يدم دستور 1930 طويلاً، بسبب تزايد
الضغط الشعبى، ورفض النظام السياسى الذى قام على أساسه، وكان أول عمل قامت
به وزارة محمد توفيق نسيم، هو استصدار أمر ملكى عام 1934 بإلغاء دستور
1930، وحل مجلسى البرلمان اللذين قاما فى ظله، وطبقاً لأحكامه، ولم يشتمل
الأمر إعادة العمل بدستور عام 1923.
وفي 19 ديسمبر عام 1935، وأمام انتفاضة الشعب المصرى وتصميمه، ورفضه، صدر
فى عام 1935 الأمر الملكى الذى قضى بإعادة العمل بدستورعام 1923.
ظل العمل بدستور عام 1923سارياً حتى أعلن مجلس قيادة الثورة إلغاءه نهائياً فى 10 ديسمبر 1952.
المرحلة الثالثة من 1952حتى 1971 تبدأ هذه المرحلة بقيام الثورة فى 23
يوليو عام 1952، وتنتهى بوفاة الرئيس جمال عبد الناصر، وتولى الرئيس محمد
أنور السادات زمام السلطة، وصدور الدستور الدائم فى عام 1971.
يطلق على هذه المرحلة مسميات عديدة لعل أبرزها مسمى " الحقبة الثورية" والحقبة الناصرية، نسبةً إلى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
شهدت هذه المرحلة تحول مصر من النظام الملكى إلى النظام الجمهورى فى 18 يونيو عام 1953.
تميزت هذه المرحلة بعدم الاستقرار الدستورى ومن ثم السياسى ، حيث صدرت
خلال الفترة الناصرية إعلانات دستورية، ودساتير مؤقتة متعددة عبر كل منها
عن مرحلة مختلفة من مراحل تطور الثورة المصرية نفسها.
عاب هذه الفترة تمحور النظام السياسى حول شخص واحد, هو رئيس الجمهورية,
الذى جمع فى يده كل الخيوط، وامتلك وحده جميع الصلاحيات والسلطات
والاختصاصات الأساسية، إلى جانب وجود تنظيم سياسى شرعى وحيد فى البلاد،
ودمج السلطتين التشريعية والتنفيذية، والتعامل العنيف مع قوى المعارضة التى
لم يتم تقنينها فى إطار شرعى فى هذه المرحلة.
رغم تبنى النظام للاشتراكية كمنهج حياة اجتماعى واقتصادى وسياسى فى مصر،
ورغم نجاح الثورة فى تحقيق الاستقلال الوطنى، وبلورة معالم لمشروع حداثى
متكامل فإن هذا النجاح لم يواكبه نجاح مماثل فى بناء نظام سياسى يعبر عن
حيوية المجتمع المصرى، ويستفيد من المخزون الكبير لقوته الناعمة، مما أدى
إلى القضاء على التعددية السياسية والفكرية، واعتماد آليات شمولية وتعبوية
أحادية.
الإعلان الدستورى الصادر عام 1952: صدر الإعلان الدستورى الأول عن الثورة فى 10 ديسمبر عام 1952.
تضمن الإعلان سقوط دستور سنة 1923، وجاء فيه " أصبح لزاماً أن
نغيرالأوضاع التى كادت تودى بالبلاد، والتى كان يساندها ذلك الدستور الملئ
بالثغرات، والأخذ فى تأليف لجنة لوضع مشروع دستور جديد على أن تراعى
الحكومة المبادئ الدستورية العامة.
الإعلان الدستورى الصادر فى فبراير عام 1953: فى 13 يناير عام 1953 صدر مرسوم بتأليف لجنة مكونة من 50 عضوًا لوضع مشروع دستور جديد.
وفى 15 يناير عام 1953 حددت فترة الانتقال بثلاث سنوات، تنتهى فى 16 يناير عام 1956 .
فى 10 فبراير عام 1953 صدر الإعلان الدستورى الثانى متضمناً أحكام الدستور المؤقت للحكم خلال الفترة الانتقالية.
اكتفى الإعلان بالنص على أن الأمة هى مصدر كافة السلطات دون التعرض
لطبيعة نظام الحكم سواء كان ملكيًا أو جمهوريًا، كما جعل السيادة العليا
للدولة من اختصاص قائد الثورة يباشرها بما يتفق وحماية الثورة وتحقيق
أهدافها.
ركز الإعلان السلطتين التشريعية والتنفيذية فى يد مجلس الوزراء، خاصةً
المؤتمر المشترك من مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء فى نظر السياسة العامة
للدولة ومناقشة تصرفات كل وزير فى وزارته.
دستور عام 1956: بحلول نهاية الفترة الانتقالية فى 16 يناير عام 1956، تم إعلان الدستور النهائى.
رغم إعلان الدستور النهائى فى 16 يناير عام 1956، فقد ظل العمل بالإعلان
الدستورى المؤقت الصادر فى 10 فبراير سنة 1953 إلى أن أُجرى الاستفتاء على
هذا الدستور فى 23 يونيو عام 1956، وحظى بموافقة الشعب المصرى، وأصبح
نافذاً منذ ذلك الحين.
على أساس هذا الدستور تم تشكيل أول مجلس نيابى فى ظل ثورة 23 يوليو، وبدأ
جلساته فى 22 يوليو عام1957، وقد أطلق عليه اسم " مجلس الأمة " ، واستمر
هذا المجلس حتى 10 فبراير عام 1958.
تضمن دستور عام 1956 مقدمةً، و196 مادةً موزرعةً على 6 أبواب، واستمر
العمل به سارياً حتى إعلان الوحدة بين مصر وسوريا فى فبراير عام 1958.
دستور الجمهورية العربية المتحدة عام 1958: أُعلنت الوحدة فى 22 فبرايرعام 1958
بتوقيع ميثاق الجمهورية المتحدة من قبل الرئيس جمال عبد الناصر، والرئيس
السورى شكرى القوتلى، واُختير عبد الناصر رئيساً، كما اُختيرت القاهرة
عاصمةً للجمهورية الجديدة.
ونظراً لقيام الوحدة بين مصر وسوريا ألغى دستور عام 1956 ، وصدر دستور مؤقت للجمهورية العربية المتحدة فى مارس سنة 1958.
بمقتضى دستور الوحدة، تم تشكيل مجلس أمة مشترك من المعينين بواقع 400 عضو
من مصر ، و200 عضو من سوريا، وعُقد أول اجتماع للمجلس فى 21 من يوليو عام
1960، واستمر حتى 22 يونيو عام 1961.
جاء دستور الجمهورية العربية المتحدة فى73 مادةً ، وتمثلت أهم خصائصه فى
أنه تضمن الأسس الاجتماعية والاقتصادية لتوجهات دولة الوحدة، وعمل على
السعى لإقامة نظام العدالة الاجتماعية، وتبنى التخطيط الاقتصادي
والاجتماعي، واستبعد تعدد الأحزاب، وأكد على التوجه القومى، ومنح سلطات
وصلاحيات واسعة للرئيس.
استمر العمل بدستور الجمهورية العربية المتحدة( دستور الوحدة) إلى أن وقع الانفصال بين مصر وسوريا فى 28 سبتمبر عام 1961.
الإعلان الدستورى عام 1962: تم إعلان انفصال مصر عن سوريا، وانتهاء تجربة الوحدة فى28 سبتمبر عام1961.
أصبح الوضع الدستورى فى مصر فى ضوء هذا الانفصال لا يتلاءم مع دستورعام 1958.
لذلك فقد صدر بعد عام من الانفصال بموجب قرار جمهورى إعلان دستورى فى 27
سبتمبر عام 1962 لتنظيم سلطات الدولة العليا لحين إصدار دستور جديد يحل محل
دستور "الوحدة" الذى تم تعطيل العمل به.
بدا هذا الإعلان وكأنه يختصر سلطات الدولة بأكملها لصالح السلطة التنفيذية.
الدستور المؤقت عام 1964: كان للوضع الذى ساد مصر عقب انفصالها عن
سوريا من ناحية، وصدورالقوانين الاشتراكية من ناحية أخرى, أثرهما فى إصدار
دستور جديد مؤقت فى 24 مارس عام 1964، وإنهاء العمل بالدستور المؤقت الصادر
فى 5 مارس عام 1958، وبالإعلان الدستورى بشأن التنظيم السياسى لسلطات
الدولة العليا، الصادر فى 27 سبتمبر عام 1962.
فى ظل هذا الدستور المؤقت تم تشكيل مجلس أمة منتخب مكون من 350 عضواً ،
نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين ، انعكاساً لصدور قوانين يوليو
الاشتراكية عام 1961 ، إضافةً إلى عشرة نواب يعينهم رئيس الجمهورية.
اشتمل دستور عام 1964 على مقدمة، و6 أبواب، موزعةً على 169 مادةً أكدت على التوجه الاشتراكى للدولة.
كان هذا الدستور هو آخر دستور يصدر فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر.
الإعلان دستورى الصادر عام 1969: صدر هذا الإعلان فى 7 يناير عام 1969،
بإضافة حكم جديد إلى نص المادة (94) من الدستور المؤقت الصادر فى 24 مارس
عام 1964، تأكيداً وتثبيتاً لدور قوى الشعب العاملة، وتحالفها وقياداتها فى
تحقيق سيطرتها بالديموقراطية على العمل الوطنى فى كافة مجالاته .
تنص المادة (94) المذكورة على مايلى:" لا يجوز إسقاط عضوية احد من أعضاء
مجلس الأمة ، إلا بقرار من المجلس بأغلبية ثلثى أعضائه، بناءً على اقتراح
عشرين من الأعضاء ، وذلك إذا فقد الثقة والاعتبار ، أو أخل بواجبات عضويته ،
أو فقد صفة العامل أو الفلاح التى انتخب على أساسها ، أو قصر فى حضور
جلسات مجلس الأمة أو لجانه".
ينص الحكم المضاف للمادة (94) على الآتى:" وتنقضى العضوية بالنسبة لعضو
مجلس الأمة الذى يفقد صفة العضو العامل فى الاتحاد الاشتراكى العربى".
المرحلة الرابعة من 1971 وحتى قيام ثورة 25 يناير تمتد هذه المرحلة من تاريخ صدور الدستور
الدائم فى 11 سبتمبر عام 1971 إلى تاريخ اندلاع انتفاضة الشعب المصرى
العظيمة فى 25 يناير عام 2011، والتى فتحت بأحداثها ونتائجها فصلاً جديداً،
ومرحلةً هامةً فى تاريخ مصر المعاصرة.
تُعَدُ هذه المرحلة أطول فترة من فترات استمرار العمل بذات الدستور فى
التاريخ المصرى الحديث منذ حكم محمد على وحتى الآن، والتى بلغت 40 عاماً.
يطلق على هذه المرحلة " حقبة التعددية السياسية المقيدة" حيث شهدت عملية
التحول من تنظيم شرعى وحيد فى البلاد خلال فترة الخمسينيات والستينيات وحتى
منتصف السبعينيات، إلى نظام حزبى ضعيف وهش يهيمن عليه حزب حاكم ينفرد وحده
بالسلطة، ويحتكر إدارتها، وهى تمثل امتداداً طبيعياً للنظام الذى أفرزته
ثورة يوليو فى عام 1952، واستمد شرعيته منها.
التعديلات الدستورية التى تمت خلال هذه المرحلة كانت بمبادرات فوقية من
قمة النظام السياسى، ولم تكن تعبر فى معظمها عن إرادة الشعب أو عن رضاء أو
توافق مجتمعى عام عليها، واستخدم النظام الأغلبية الكاسحة التى تمتع بها فى
البرلمان بشكل دائم لإقرار هذه التعديلات.
تخللت هذه المرحلة خاصةً فى العقد الأخير منها دعوات ومطالبات شعبية
متزايدة بتعديلات دستورية حقيقية، تعيد تنظيم وهيكلة الحياة السياسية فى
مصر باتجاه إطلاق الحريات، والسماح بتداول حقيقى للسلطة على كافة
المستويات، وتفعيل مشاركة المواطنين فى العمل السياسى فى إطار دولة مدنية
ديمقراطية، ونظام حزبى قوى ومستقر، وآليات وأطر قانونية فعالة للرقابة
والمساءلة.
الدستور الدائم الصادر فى عام 1971: صدر دستور مصر الدائم فى 11 سبتمبر عام
1971، وقد قامت بوضعه لجنة خاصة من مجلس الشعب تشكلت من 80 عضواً من
أعضائه، بناءً على طلب الرئيس السادات، وتم عرضه للاستفتاء من جانب الشعب
المصرى، فتمت الموافقة عليه بما يشبه الإجماع فى 11 سبتمبر عام 1971، وبدأ
العمل به منذ هذا التاريخ.
يعد هذ الدستور أطول الدساتير المصرية عمراً، وقد جاء تبنيه بعد سلسلة من
الدساتير المؤقتة التى شهدتها مصر منذ عام 1952، وبمقتضاه جرت انتخابات
مجلس الشعب الذى عقد أولى جلساته فى 11 نوفمبر عام 1971، وهو أول مجلس
يستكمل مدته الدستورية، وهى خمس سنوات كاملة.
يؤخذ على دستور عام 1971 أنه تم وضعه من قبل لجنة حكومية، وليست جمعية
تأسيسية، وأن نصوصه لم تتح لها الفرصة الكافية للمناقشة العلنية، كما يؤخذ
عليه توسيعه لسلطات رئيس الجمهورية، وتركيزها فى يديه، وجعله حكماً بين
السلطات مع تخويله سلطات استثنائية حددتها المادة (74) وغيرها.
عانى دستور عام 1971 منذ مولده من فجوات واضحة بين نصوصه، وبين التطورات
على أرض الواقع، فعلى سبيل المثال ظلت نصوصه تؤكد على المفاهيم الاشتراكية،
رغم سياسة الانفتاح الاقتصادى التى انتهجتها الدولة فى فترة السبعينيات
وما تلاها.
خضع دستور عام 1971 للتعديل ثلاث مرات فى أعوام 1980، و2005، و2007، وهو
يتكون من ديباجة، و211 مادةً فى سبعة أبواب على النحو التالى:
o الباب الأول: "الدولة" ويشمل المواد من 1-6.
o الباب الثانى: " المقومات الأساسية للمجتمع " ويشمل المواد من 7- 39.
o الباب الثالث: " الحريات والحقوق والواجبات العامة " ويشمل المواد من 40- 63.
o الباب الرابع: " سيادة القانون " ويشمل المواد من 64-72.
o الباب الخامس: " نظام الحكم " ويشمل المواد من 73- 184.
o الباب السادس: " أحكام عامة وانتقالية " ويشمل المواد من 185- 193.
o الباب السابع: " أحكام جديدة " ويشمل المواد من 194- 211.
تعديلات عام 1980: فى يوليو عام 1979 تقدم أكثر من ثلث
أعضاء مجلس الشعب بثلاث طلبات متضمنةً مقترحات لتعديل الدستور استناداً لنص
المادة (189) ، وتضمنت هذه المقترحات تعديل بعض المواد، وإضافة مواد
جديدة.
أوكل مجلس الشعب إلى لجنة خاصة مشكلة من رئيس المجلس، و17 عضواً من
أعضائه مهمة النظر فى هذه الطلبات، وأنهت هذه اللجنة عملها، وعرضت تقريرها
على المجلس الذى أقر التعديلات.
عُرضت هذه التعديلات الدستورية على الشعب المصرى للاستفتاء عليها فى يوم
22 مايو عام 1980، وتمت الموافقة عليها بأغلبية بلغت 98.86%.
شملت هذه التعديلات خمس مواد هى: (1) و(2) و (4) و (5) و (77) ، وإضافة
باب جديد هو الباب السابع الذى تضمن أحكاماً جديدة تخص إنشاء مجلس الشورى
وسلطة الصحافة.
أبرز السلبيات التى أوجدها هذا التعديل هى إطلاق فترة الرئاسة حيث أصبحت غير محددة المدة بعد أن كانت فترتين فقط قبل التعديل.
رغم أن التعديل الدستورى فى عام 1980 قد استبدل بالتنظيم السياسى الواحد
نظام تعدد الأحزاب، إلا أن مصر لم تعرف تعدداً حزبياً بالمعنى الحقيقى
لتداول السلطة لأن حزباً واحداً سيطر على الحكم بشكل كامل ومستمرمن ذلك
الوقت.
تعديلات عام 2005: تصاعدت حدة الأصوات المطالبة بالإصلاحات
الديمقراطية مع بداية عام 2005 ، وتراوحت مطالبها ما بين إدخال تعديلات على
البنية الدستورية والتشريعية للحياة السياسية فى مصر، ومعارضة التجديد
للرئيس السابق حسنى مبارك لفترة رئاسية خامسة، ومواجهة احتمالات "توريث"
السلطة لابنه جمال، أمين السياسات والأمين العام المساعد بالحزب الوطنى
الديمقراطى الذى كان مسيطراً على الحكم.
فى فبراير عام 2005 أعلن الرئيس السابق عن مبادرة لتعديل المادة (76) من
الدستور ، بحيث يكون انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السرى العام
المباشر من جميع أفراد الشعب الذين لهم حق الانتخاب، بدلاً من اختيار رئيس
الجمهورية بطريق الاستفتاء ، بعد ترشيح مجلس الشعب لشخص واحد للرئاسة.
ووفقاً للمادة لنص المادة (189) تقدم بطلب إلى مجلس الشعب بشان التعديل المذكور، وبإضافة مادة جديدة برقم (192) مكرراً .
أقر مجلس الشعب فى 10 مايو 2005 تعديل المادة 76 من الدستور بعد موافقة 405 من الأعضاء على هذا التعديل.
طُرحت المادة بشكلها الجديد للإستفتاء الشعبى فى 25 مايو من نفس العام ،
وجاءت الموافقة عليها بنسبة تقريبية بلغت 83% من إجمالى نسبة المشاركين فى
الاستفتاء.
أصبح نص المادة بعد التعديل يتضمن الآتى:
o اختيار رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع السرى العام المباشر.
o أن يؤيد المتقدم للترشيح مائتان وخمسون عضواً على الأقل من الأعضاء
المنتخبين بمجلسى الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية للمحافظات، على
ألا يقل عدد المؤيدين عن خمسة وستين من أعضاء مجلس الشعب، وخمسة وعشرين من
أعضاء مجلس الشورى، وعشرة أعضاء من كل مجلس شعبى محلى للمحافظة من أربع
عشرة محافظة على الأقل.
o حتى يمكن للأحزاب السياسية تقديم مرشحين لرئاسة الجمهورية، فإنه يُشترط
أن يكون مضى على تأسيسها خمسة أعوام متصلة - على الأقل قبل إعلان فتح باب
الترشيح ، وأن تكون قد استمرت طوال هذه المدة فى ممارسة نشاطها، مع حصول
أعضائها فى آخر انتخابات على نسبة 5% على الأقل من مقاعد المنتخبين فى كل
من مجلس الشعب ومجلس الشورى، وأن يكون مرشحها أحد أعضاء هيئتها العليا
وفقاً لنظامها الأساسى، ومضى على عضويته فى هذه الهيئة سنة متصلة على
الأقل.
o استثناءً مما سبق يجوز لكل حزب سياسى أن يرشح فى أول انتخابات رئاسية
تجرى بعد العمل بأحكام هذه المادة أحد أعضاء هيئته العليا المشكلة قبل
العاشر من مايو سنة 2005 وفقاً لنظامه الأساسى.
o تُقدم طلبات الترشيح إلى لجنة تسمى لجنة الانتخابات الرئاسية ، تتمتع
بالاستقلال وتشكل من رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيساً ، وعضوية كل من
رئيس محكمة استئناف القاهرة وأقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا ،
وأقدم نواب رئيس محكمة النقض ، وأقدم نواب رئيس مجلس الدولة ، وخمسة من
الشخصيات العامة المشهود لها بالحياد ، يختار ثلاثة منهم مجلس الشعب ،
ويختار الاثنين الآخرين مجلس الشورى ، وذلك بناءً على اقتراح مكتب كل من
المجلسين ، وذلك لمدة خمس سنوات، ويحدد القانون من يحل محل رئيس اللجنة أو
أى من أعضائها فى حالة وجود مانع لديه.
o تختص اللجنة بإعلان فتح باب الترشيح، والإشراف على إجراءاته وإعلان
القائمة النهائية للمرشحين، والإشراف العام على إجراءات الاقتراع والفرز،
وإعلان نتيجة الانتخاب، والفصل فى كافة التظلمات والطعون ، وفى جميع
المسائل المتعلقة باختصاصها ، بما فى ذلك تنازع الاختصاص.
ارتباطاً بالمادة (76) من الدستور، فقد تم إضافة مادة جديدة هى المادة
192 مكرراً ، والتى تم فى ضوئها تغيير مسمى الاستفتاء إلى الانتخاب فى كل
المواد التى ترتبط باختيار رئيس الجمهورية، وجاء نص المادة كالتالى:"
تستبدل كلمة الاستفتاء بكلمة الانتخاب أينما وردت فى الدستور فيما يتعلق
باختيار رئيس الجمهورية".
الشروط التعجيزية التى تضمنتها المادة (76) فى صيغتها النهائية التى وافق
عليها مجلس الشعب دفعت العديد من الأحزاب السياسية مثل الحزب الناصرى،
وحزب التجمع، وبعض الحركات السياسية المعارضة كالحركة المصرية من أجل
التغيير"كفاية" إلى مقاطعة الاستفتاء الشعبى والدعوة إلى ذلك، وأيضاً
مقاطعة الانتخابات الرئاسية التى جرت فى سبتمبر من عام 2005 تطبيقاً
للتعديل المذكور، وتنافس فيها تسعة من مرشحى الأحزاب السياسية مع الرئيس
السابق الذى حصل على 88.5% من نسبة الأصوات.
يرى عدد من الخبراء أنه رغم الانتقادات والملاحظات النقدية الموضوعية
التى وجهت إلى منطوق تعديل المادة (76) من الدستور، فإنها بلا شك قد أحدثت
حالةً من الحراك السياسى غير المسبوق فى التاريخ السياسى المصرى المعاصر.
تعديلات عام 2007: فى ديسمبر عام 2006 بعث الرئيس السابق
حسنى مبارك برسالة جديدة للبرلمان طلب فيها تعديل 34 مادةً من مواد الدستور
، وهو ما يقترب من سدس النصوص الدستورية التى يحتويها دستور عام 1971.
وافق مجلس الشورى فى13/3/2007، ومجلس الشعب فى 19/3/2007، بالأغلبية على التعديلات الدستورية المطروحة.
وفى 26 من مارس عام 2007، أُجرى الاستفتاء على هذه التعديلات للمواد الـ 34 ، ووافق عليها الشعب بنسبة بلغت 75.9%.
أبرز ما تضمنته هذه التعديلات تمثل فى الآتى:
o إلغاء كل ما يخص الاشتراكية والسلوك الاشتراكى وتحالف قوى الشعب العاملة، وما شابه ذلك.
o النص على مبدأ المواطنة واعتبارها الأساس الذى يقوم عليه نظام الحكم.(المادة الأولى)
o حظر أى نشاط سياسى أو قيام الأحزاب على أساس الدين أو الجنس أو الأصل.( المادة 5 )
o إنشاء لجنة عليا مستقلة للإشراف على الانتخابات- تكون لها صلاحيات مطلقة.(88)
o إحلال مادة مكافحة الإرهاب محل مادة المدعى العام الاشتراكى.(المادة 179)
o التخفيف (غير المؤثر) من شروط مشاركة الأحزاب السياسية فى الانتخابات الرئاسية.(المادة 76).
o تقنين حماية البيئة واعتبارها واجب وطنى.(الماددة 59)
تعرضت هذه التعديلات لحملة انتقادات واسعة من قبل المعارضة والمنظمات الحقوقية لأسباب عديدة منها مايلى:
o أنها تقيد الحريات الفردية، وتفرض المزيد من العقبات التى تعيق المشاركة السياسية فى مصر.
o أنها تقصى القضاء من الإشراف على الانتخابات وتحجم دور القضاة.
o أنها تحصر منصب الرئاسة فى مرشح الحزب الوطنى الحاكم.
المواد المعدلة هى: مادة 1 - مادة 4 - مادة 5 - مادة 12 - مادة 24 - مادة
30 – مادة 33 - المادة 37 - المادة 56 - المادة 59 - المادة 62 - المادة
73 - المادة 74 - المادة 76 - المادة 78 - المادة 82 - المادة 84 - المادة
85 - المادة 88 - المادة 94 - المادة 115 - المادة 118- المادة 127-
المادة 133- مادة 136- مادة 138- المادة 141- المادة 161 - المادة 173-
المادة 179 - المادة 180- المادة 194 - المادة 195- المادة 205.
المرحلة الخامسة من ثورة 25 يناير وحتى الآن تمتد هذه المرحلة منذ اندلاع ثورة الشعب
المصرى غير المسبوقة، فيما سمى بـ" يوم الغضب" فى 25 يناير عام 2011، وحتى
موعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية المقترحة فى يوم السبت 19 من مارس
الجارى، مروراً بتنحى الرئيس السابق حسنى مبارك فى 11 فبراير.
الإطار الدستورى السائد، وما تم إدخاله على دستور عام 1971 من تعديلات
شكلية- لاتحظى بتأييد غالبية المصريين من كافة الفئات، ومن مختلف الأعمار-
عامى 2005 و2007، كان أحد أهم مسببات ودوافع هذه الثورة، فقد تزايدت
المطالبات بتعديل المادتين 76 و77 من الدستور المتعلقتين بالترشح لرئاسة
الجمهورية، والمادة 88 الخاصة بالإشراف القضائى على الانتخابات، والمادة 93
المتعلقة بالفصل فى صحة عضوية أعضاء مجلس