إذن البيعة: عهد بين الحاكم والرعية .
عهد بالتزام الحاكم في إقامة الدين وتطبيقه، وسياسة الدولة، وعهد بالتزام الرعية بالسمع والطاعة.
ولكل من الطرفين واجبات وحقوق كفلتها الشريعة.
البيعة من خصائص هذه الأمة :
قال تعالى في سورة الفتح من الآية العاشرة « إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً » .
قال « ابن كثير » في تفسيره : « إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله » كقوله: « ومن يطع الرسول فقد أطاع الله » ( النساء : 80 ) « يد الله فوق أيديهم » أي : هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ، ويرى مكانهم، ويعلم ضمائرهم وظواهرهم، فهو - تعالى - هو المبايع بواسطة رسوله .. ا هـ .
وقد طبقت البيعة بصورتها الصادقة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي زمن الخلفاء الراشدين، وفي زمن بعض الخلفاء والملوك في تاريخ الدولة الإسلامية .
والبيعة ديانة لرب العالمين، وأمانة لولي الأمر ، وهذه البيعة خصيصة لهذه الأمة ، وميزة بطابعها الإسلامي عن سائر النظم ، لأنها نظام إلهي عظيم .
فائدة البيعة :
الواجب على المسلم في البيعة أمور، منها :
1 - الإخلاص لله - عز وجل - في بيعته .
2 - الاستشعار في قلبه ووجدانه أنه معتصم بالله ، ومحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وتثمر البيعة عند ذلك ما يلي :
أولاً: لزوم جماعة المسلمين في التزام البيعة، وعدم مفارقة الجماعة .
وقد قرر العلماء أن الاجتماع نوعان : 1 - الاجتماع في الدين . 2 - والاجتماع على ولي الآمر.
وأن الافتراق نوعان : 1 - الافتراق في الدين . 2 - والافتراق في الجماعة .
قال الله - سبحانه - : « واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا » ( آل عمران : 103 ) .
وقد قال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: « الجماعة رحمة ، والفرقة عذاب » . أخرجه ( الإمام أحمد) في مسنده (30: 390 ) .
ثانياً: المحافظة على المصالح العامة والخاصة .
ثالثاً : عقد البيعة فيه صلاح الناس والبلاد .
رابعاً: وقاية المسلمين بأنفسهم من الفتن .
خامساً: دخولهم في ساحة الأمان والنجاة من الوعيد الشديد في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » أخرجه ( مسلم : 1851 ) .
البيعة ميثاق وعهد :
وضع اليد في اليد بقصد البيعة هي ميثاق غليظ، وعهد مسؤول ﴿ إن العهد كان مسؤولاً ﴾ (الإسراء : 34 ) .
وهي واجبة على الرعية كلها. من باشرها بوضع اليد فقد أعلن وباشر ، ومن لم يمكنه ذلك فبايع باللسان أينما كان، ومن لم يمكنه ذلك فيعقد النية في قلبه على ما بايعت عليه جماعة المسلمين، ليدخل تحت قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: « ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم : إخلاص العمل لله ، ومناصحة أئمة المسلمين ، ولزوم جماعتهم ، فإن الدعوة تحيط من ورائهم » . أخرجه (الترمذي) في جامعه ( 2658 ) .
4 - وليكون من جملة الطائفة التي نصرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته وبايعته على ذلك متمثلة في قول « عبادة بن الصامت » - رضي الله عنه - : « بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة،
في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع
الآمر أهله ، وعلى أن نقول بالحق حيثما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم »
أخرجه ( مسلم ) 1709 .
التحذير من عدم البيعة :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » أخرجه ( مسلم ) 1851 .
واجب المسلم نحو ولاة الأمر :
الدعاء لولاة الأمر في أن يوفقهم الله - عز وجل - لما فيه خدمة الإسلام، والدعوة إلى الله - تعالى - ولما فيه خير المسلمين، وصلاح معاشهم .
قال « الفضيل بن عياض » - رحمه الله - : « لو كانت له دعوة صالحة لرأيت السلطان أحق بها، إذ بصلاحه صلاح الرعية، وبفساده فسادهم » .
بيعة خادم الحرمين الشريفين صورة رائعة في تاريخ المملكة العربية السعودية :
الموت حق، والأعمار بيد الله - جل جلاله - قال - سبحانه - : ﴿ كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ﴾ ( الرحمن : 26 – 27 ) .
انتقل
خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز إلى جوار مولاه بعد مآثر
حميدة - تغمده الله بالرحمة والرضوان - وبايع جموع المسلمين في أنحاء
المملكة المباركة رفيق دربه أخاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن
عبد العزيز ملكاً على البلاد .
كما
بايعوا صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولياً للعهد سدد
الله خطاهما ، وأعانهما على حمل الأمانة ، تم ذلك بهدوء وانسياب ، بصورة
مشرقة بقلوب سليمة ، وبنفوس مطمئنة بأن من حمل الأمانة سيسير بهم على سيرة الخلفاء الراشدين المهديين .
إن ما تم من هذه المبايعة مستمدة من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حيث اجتمع أهل الحل والعقد في هذه البلاد، واتخذوا قرارهم .
أجل إن مشهد البيعة الذي كان على مرأى العالم، وسمع الدنيا مشهد رائع، فيه إحياء لشعيرة من شعائر الولاية العامة في الإسلام، وثمرة من ثمار تحكيم شرع الله في المجتمع .
والبيعة التي رأيناها تمثل حدثاً عظيماً في تاريخ المملكة دينياً وتاريخياً وحضارياً .
البيعة التي تمت هي تطبيق فعلي لما تدعو إليه الشريعة الإسلامية الصافية، والتزام جلي بتطبيق الإسلام منهجاً وأسلوباً .
نسأل الله - تعالى - أن يكون هذا العهد عامراً بنصرة قضايا الأمة الإسلامية على الطريق الصحيح، والمنهج المستقيم .
ومن عقيدة المسلم من أهل السنة والجماعة أن لا يموت وليس في ذمته بيعة، والبيعة تجسيد للحب الصادق، والوفاء بين الراعي والرعية .
قال
صلى الله عليه وسلم: « خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ، ويصلون عليكم
وتصلون عليهم..» أخرجه ( مسلم ) 1855 . قال النووي: أي يدعون لكم، وتدعون
لهم .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .