معنى الصدق ومعنى الكذب:
للوهلة الأولى نعتقد أن الصدق هو مطابقة القول للواقع ولكن كثيراً ما يحدث
ألا يكون القول مطابقاً للواقع، ومع ذلك يعتبر الشخص صادقاً كقول القدماء
مثلاً بأن الأرض مسطحة وقولهم أن الشمس تدور حولها. وكثيراً ما يحدث أن
يكون القول مطابقاً للأصل ولكننا نعتبر الشخص كاذباً كقول بعضهم: ويل
للمصلين ثم الوقوف عند ذلك. ويهمنا في الصدق أن تكون النية متوفرة لمطابقة
القول للواقع مطابقة تامة، ويلاحظ في الكذب توفر النية لعدم المطابقة
والتضليل.
فلنأخذ أكاذيب الأطفال ونحن نعلم أن الأطفال كثيراً ما يكذبون. فليس بغريب
على الطفل أن ينكر أمام والديه فعلة قد أتاها كقيامه بتكسير آنية أو تخريب
شيء ما. ولكن الغريب أن يتألم الآباء لهذا أشد الألم ويقلقون له وينزعجون
معتبرين أن الكذب فاتحة لعهد تشرد وإجرام في تاريخ حياة أطفالهم.
وهناك استعدادان يهيئان الطفل للكذب: أولهما قدرة اللسان ولباقته، ولعل هذا
يوافق ما كانت جداتنا يقلنه عن بعض الأطفال على سبيل المزاح، فكن يعتبرن
أن الطفل الذي يُخرج في الأسابيع الأولى لسانه ويحركه يمنة ويسرة سيكون في
المستقبل قوالاً كذباً.
وثاني هذين الاستعدادين خصوبة الخيال ونشاطه. فخصوبة الخيال هي التي دفعت
طفلاً صغيراً لم يتجاوز الثالثة من عمره لأن يقول بأن برغوثاً كبيراً خرج
من كتاب أخته وطار إليه ليلسعه، وذلك بعد أن كان قد رأى صورة مكبرة لبرغوث
في كتاب للمطالعة كانت تقرأه أخته.