1ـ الخلط وعدم الفهم للعلاقة بين الشريعة والقانون:
تتحدث
المادة الثانية من الدستور عن مبادئ الشريعة الاسلامية. وهي لم تأت بجديد
يذكر، لأن حكمها موجود تقريباً، منذ عام 1949 في المادة الأولي من القانون
المدني ، مع بعض وجوه التشابه والإختلاف بين المادتين، وهو ما سنذكره بعد
قليل.
والمقصود
بمبادئ الشريعة الإسلامية في المادة الواردة في الدستور، والمادة الواردة
في القانون المدني، المبادئ العامة للشريعة الإسلامية، وهي كما يقول
الدكتور السنهوري ، المبادئ الكلية للشريعة، التي لا خلاف عليها بين
الفقهاء.
ولاشك
في أن المبادئ العامة الكلية للشريعة الإسلامية، تعتبر من المبادئ العامة
للقانون المصري، وتنبع من الفكرة العامة للوجود السائدة في مصر.
ولو
أن المشرع الدستوري أحسن صياغة النص، ولم يخلط كما فعل، بين المبادئ
العامة للقانون، وبين مصادر القانون، لما أثارت هذه المادة كل هذه الضجة
التي تثور حولها.
وقد
أثارت المادة الثانية من الدستور التي كانت تنص عام 1971 علي أن مبادئ
الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، ثم أصبحت تنص بعد تعديل عام 1980
علي أنها المصدر الرئيسي للتشريع، قلقاً ورفضا شديدين، من جانب أنصار
الدولة المدنية ـ كما أنها سببت فرحاً وابتهاجاً والمطالبة بالمزيد من
أنصار الدولة الدينية.
ونحن
نقول للأولين: لا تحزنوا كثيراً، ونقول للآخرين: لا تفرحوا كثيراً. فإن
هذه المادة رغم العيوب الواضحة في صياغتها، لا تهدد بأي حال الدولة المدنية
القائمة في مصر منذ مائتي عام، ولا تمهد بأي حال لإنشاء الدولة الدينية.
وهناك
خلط شديد وعدم فهم مطلق للعلاقة بين الشريعة والقانون، لدي العديد من
المثقفين، بل ورجال القانون أيضاً. وقد قمنا بمحاولة إزالة هذا الخلط عن
طريق طرح الأسئلة الصحيحة عن الشريعة والقانون.
2ـ الأسئلة الصحيحة عن الشريعة والقانون:
أصعب
شيء في أي بحث هو معرفة الأسئلة الصحيحة فيه. ومعظم الأبحاث الفاسدة أو
التافهة يرجع العيب فيها الي طرح الأسئلة الخاطئة أو المغلوطة. ونحن نطرح
في هذا المقال الأسئلة الصحيحة العميقة في الموضوع الهام جداً عن الشريعة
والقانون.
وقد
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الدولة المدنية، والدولة الدينية. ومعظم
الأحاديث الجارية تدخل في نطاق الصراع السياسي، أو الصراع من أجل القانون.
ونحن
لا نريد أن ندخل في الجدل السياسي أو الصراع من أجل القانون. وسنتحدث في
هذا الموضوع بطريقة علمية خالصة في نطاق نظرية المعرفة، والنظرية العامة
للقانون.
وأول
الأسئلة هو ما الفرق بين المادة الأولي للقانون المدني المعمول به منذ عام
1949 التي تنص علي أن القاضي يحكم بمقتضي مبادئ الشريعة الإسلامية اذا لم
يجد الحكم في التشريع أو العرف، والمادة الثانية من دستور 1971 التي تنص
علي أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع أو المصدر الرئيسي
للتشريع؟
والسؤال الثاني: ما المقصود بمصادر القانون، وما هو الفرق بين مصادر القانون، وبين جوهر القانون، والمبادئ العامة للقانون؟
والسؤال الثالث: ما المقصود بالفكرة العامة للوجود في مجتمع معين والتي تنبع منها المبادئ العامة للقانون؟
والسؤال الرابع: هل تدخل الشريعة الإسلامية في نطاق المبادئ العامة للقانون، أم في نطاق مصادر القانون؟
والسؤال الخامس: ما هي مصادر القانون بالنسبة للقواعد الموضوعية المنقولة من تشريع أجنبي، أو شريعة دينية؟
والسؤال السادس: هل الفصل بين الدين والقانون في الدولة المدنية فصل كامل، أم أنه مثل الفصل بين السلطات فصل غير كامل؟
والسؤال السابع: هل صحيح أن الأحكام القانونية في الدولة الدينية، أحكام إلهية؟ أم أنها في جميع الأحوال أحكام بشرية وضعية؟
والسؤال
الثامن: هل يوجد تعارض أو حتي مجرد إمكانية تعارض بين المبادئ العامة
للشريعة الإسلامية، وبين القانون الوضعي؟ أم أن العلاقة بينهما هي علاقة
انسجام وتكامل؟
والسؤال التاسع: هل يؤدي الأخذ بالمبادئ العامة للشريعة الإسلامية الي أي مساس بالدولة المدنية القائمة في مصر منذ مائتي عام؟
والسؤال
العاشر: كيف سمحت دولة علمانية مثل المانيا وايطاليا تركيا بوجود أحزاب
دينية فيها، ونحن لا نسمح بذلك في مصر؟ أم ان العلمانية هي الحائط الذي يصد
أية تجاوزات محتملة من الأحزاب الدينية؟
والسؤال
الحادي عشر: إذا كانت كل أحكام القانون في الدولة الدينية، وكذلك الدولة
المدنية، هي أحكام وضعية من صنع البشر، فما هو الفارق بين الدولتين إذن؟
وأظن أن القارئ يدرك أهمية هذا الموضوع، وأن الخلط فيه أكثر من الفهم، وأن الوقت قد جاء لإجلاء الحقيقة بشأنه، وهو ما سنقوم به الآن.