في قصة نبي الله موسي ما يدل علي ان الديمقراطية والشفافية في الحوار يمكن ان يصلا بالناس إلي الطريق الصواب ويأخذ بأيديهم إلي الإيمان الصحيح بالله سبحانه. والإيمان بالله غاية عظمي وللإنسان ان يصل إليها بكل طريق مشروع يري انه يمكن ان يصل به للإيمان. بل يجب عليه ان يطوع كل وسيلة لتحقيق تلك الغاية العظمي.
لقد أمر الله نبيه موسي - عليه السلام - ان يصدع بكلمة الحق ويبلغ رسالة الله لرأس الدولة وصاحب السلطان فيها ويبدو ان فرعون كان واسع الصدر يعطي للحوار حقه. ولسماع الرأي الآخر قيمته. بل انه - كما يفهم من آي القرآن الكريم كان يعطي لمن يخالفه في الرأي اهتماماً أكثر ممن يوافقه فيه. وكان لا يهمل ذلك المبدأ حتي ولو كان من يخالفه في الرأي يناصب سلطانه العداء. بدأ الحوار بين نبي الله موسي وفرعون في الآية "17" من سورة الشعراء كما اشارت إليه سور أخري من كتاب الله تعالي. وفي سورة الشعراء قال الله تعالي علي لسان موسي وهو يوجه كلامه لفرعون بعد ان ابلغه انه رسول الله: "أنا رسول رب العالمين أن ارسل معنا بني إسرائيل. قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين. وفعلت فعلتك التي فعلت وانت من الكافرين" وفي هذه الآيات الكريمات يجيب فرعون علي دعوة موسي له بأن يترك له بني إسرائيل حتي يدعوهم للإيمان بالله - ولا يحول بينهم وبين الاستماع للحق. وقد كان فرعون يري انه رب الناس الاعلي. فلم يقطع عنقه. ولم يسكت صوته. وإنما أخذ يذكره بشيء من طفولته في بيت فرعون وحين قالت زوجته: "لاتقتلوه عسي ان ينفعنا أو نتخذه ولدا". بل وحين استنجد به احد بني شيعته علي الذي من عدوه فوكزه موسي وما كان يريد قتله. لكن الرجل مات بذلك الفعل غير المقصود. لكن فرعون احتسبه عليه جريمة ذكره بها قاصدا ان يكسر انفه ويرميه بالضلال والبهتان. فقال له موسي: "قال فعلتها إذا وأنا من الضالين ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين". ثم أخذ موسي - عليه السلام - يرد عليه ذلك المن الرخيص فقال له كما حكي القرآن الكريم: "وتلك نعمة تمنها علي ان عبدت بني إسرائيل" أي تمن عليَّ أني نشأت في بيتك وأنت تستعبد بني إسرائيل جميعاً. قال فرعون لموسي: "وما رب العالمين. قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين قال لمن حوله ألا تستمعون. قال ربكم ورب آبائكم الأولين. قال ان رسولكم الذي ارسل اليكم لمجنون. قال رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون" وهنا بدأ فرعون يهدد: "قال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين" فمضي موسي في دعوته ولم يخف. قال "أولو جئتك بشيء مبين. قال فأت به إن كنت من الصادقين. فألقي عصاه فإذا هي ثعبان مبين. ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم يريد ان يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون. قالوا ارجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم" فجمع السحرة واستبان لهم الحق فآمنوا بالله وخروا ساجدين له. فتوعدهم فرعون بالبطش والانتقام. ففروا هاربين وأوحي الله لموسي ان يضرب البحر بعصاه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم فمر موسي واتباعه ولما اتبعهم فرعون قاصداً الانتقام هو وجنوده اطبق الله عليهم اليم فغرقوا. لقد وصلت الديمقراطية وشفافية الحوار إلي الإيمان بالله حيث آمن السحرة برب هارون وموسي - لكنها اسقطت الحكم وأغرقت المركب بمن فيه وتلك هي ضريبة الحوار وآثاره.