إدارة الدولة
الإدارة في عهد الخلفاء الراشدين:
تميز المسلمون في مجال إدارة الدولة، وكانت النواة في عهد النبي (، فقد كان يبث الدعوة، ويجاهد العدو، ويأخذ الغنائم والصدقات والعشور، ويقسمها بين المجاهدين وأهل البلاد الفقراء والمهاجرين والأنصار، ويوزع العمل بين عماله، ويرسل القضاة والمعلمين إلي بعض البلدان .
وسار أبو بكر علي نهج النبي ( ، وزاد أن قسم جزيرة العرب إلي ولايات وأعمال، مثل مكة، والمدينة، والطائف.. إلخ ،فقسمت الحجاز إلي ثلاث ولايات ، واليمن إلي ثمانٍ، والبحرين وما يتبعها ولاية، وكان يهتم بمراقبة الموظفين والإداريين.
ووضحت صورة التنظيم الإداري في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لاتساع رقعة الدولة الإسلامية، فعين العمال وراقبهم، وأحصي القبائل، وفرض الفروض والعطايا، ودوَّن الدواوين التي تشبه الوزارات اليوم، فوضع أول ديوان للخراج في الإسلام وكان أول من استقضي القضاة، وأحدث التاريخ الهجري، وكان يحدد راتب العامل بحسب حاجته وبلده، وغير ذلك من التقسيمات والتنظيمات الإدارية.
وحافظ عثمان بن عفان-رضي الله عنه- علي هذا النظام وإن حدث اضطراب في نهاية عهده، بسبب الخارجين عليه. وكان علي -كرم الله وجهه- كسابقيه في الإدارة.
319 - 331
أقسام الولايات
كانت الولايات تقسم إلى أربعة أقسام:
أصحاب الولاية العامة في الأعمال العامة وهم الوزراء. وأصحاب الولاية العامة في أعمال خاصة، وهم أمراء الأقاليم والبلدان. وأصحاب الولاية الخاصة في الأعمال العامة كقاضي القضاة، وقائد الجيوش الأعلى، وحرس الحدود وغير ذلك. وذو الولاية الخاصة في الأعمال الخاصة، كقاضي بلد، أو قائد جيش ونحو ذلك .
الوزارة في الإسلام :
وجد معنى الوزراء من قديم الزمن، وقد مارس المسلمون الوزارة، ولكنها لم تعرف بهذا الاسم إلا في عهد العباسيين، حيث استعاره الأمراء من الفرس، والوزارة في الإسلام قسمان: وزارة تفويض، ووزارة تنفيذ.
وزارة التفويض:
هي أن يستوزر الإمام من يفوض إليه تدبير الأمور برأيه، وإمضائها على اجتهاده، وهي ما تعرف برئاسة الوزراء اليوم .
والوزير المفوض له كل سلطات الإمام من تعيين الحكَّام والنظر في المظالم، وقيادة الجيش، وتعيين القائد، وتنفيذ الأمور التي يراها . إلا ثلاثة أمور هي:
ولاية العهد، واستعفاء الأمة من الإمامة، وعزل من قلده الإمام، أما الإمام فله أن يعزل من ولاه الوزير.
وينسق بين الإمام ووزير التفويض بما يلي:
1- يطالب وزير التفويض بمطالعة الإمام لما أمضاه من تدبير، وأنفذه من ولاية وتقليد لئلا يصبح باستبداده كالإمام.
2-يتصفح الخليفة أفعال الوزير وتدبيره الأمور، ليقر منها، ما وافق الصواب ويستدرك المخالفة .
وشروط وزارة التفويض كشروط الإمامة، إلا شرط أن يكون قرشيَّا، وهو شرط غير معتبر . ولا يجوز أن يعين الإمام وزيري تفويض، بل يجب أن يكون واحدًا.
وزارة التنفيذ:
وهذه الوزارة أقل رتبة من وزارة التفويض، لأن الوزير فيها يقوم بتنفيذ ما يأمره الإمام به، ويمضي أحكامه، ويبلغ من قلدهم الولاية أو تجهيز الجيوش ويعرض عليهم ما ورد منهم، وتجدد من أحداث طارئة، فليس له استقلال في السلطة كما للوزير المفوض. فوزير التنفيذ وسيط بين الإمام والرعية، ويختص وزير التنفيذ بأمرين:
1- أن يؤدي إلى الخليفة ما يبلغه من قضايا .
2- أن يؤدي إليه أوامر الخليفة لتنفيذها .
شروط وزير التنفيذ:
يمكن حصر هذه الشروط فيما يتعلق بجانب الأخلاق،والجانب السياسي، وهي :
1- الأمانة وصدق اللهجة؛ حتى يوثق في أمره ونهيه. والمسالمة، لأن العداء يمنع من التناصف والتعاطف. وأن يكون حاضر البديهة. وأن يكون ذكيًا فطنًا؛ حتى لا تلتبس عليه الأمور. وألا يكون من أهل الأهواء، حتى لا يحيد عن الحق.
ولا يجوز أن يتولى هذه الوزارة -وكذلك وزارة التفويض- امرأة ؛ لقول النبي صلي الله عليه وسلم :"ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" [البخاري ].
ويجوز للخلفية أن يُعين أكثر من وزير في وزارة التنفيذ، بخلاف وزارة التفويض التي لا يجوز فيها إلا وزير واحد، وأهم ما يميز هذه الوزارة عن وزارة التفويض أن سلطات الوزير فيها محدودة، فهو منفذ لأوامر الإمام ونواهيه، ولا يحق له مباشرة أي عمل إلا بإذنه.