[b][color=blue][/colorمع تواصل الاعتداءات الإسرائيلية علي المقدسات العربية والإسلامية في ارض فلسطين المحتلة ، ومع توالي المجازر واحدة ضد الشعب الفلسطيني ، كثيرا ما نسمع مطالب القوي الشعبية داخل البلاد العربية لحكوماتها بضرورة قطع العلاقات مع سلطات الاحتلال ، ودائما ما تواجه بعدم الاستجابة أو عدم الاهتمام بالرد ، ولكن فجأة أعلنت جمهورية موريتانيا رسميا قطع علاقتها الدبلوماسية مع إسرائيل بشكل نهائي وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول دوافعها في ذلك ، إضافة إلى مطالبات بأن تتخذ باقي الدول العربية إجراءات قطع العلاقات مع الكيان الغاصب، فقد أعلنت وزيرة الخارجية الموريتانية ألناها بنت حمدي ولد مكناس أن بلادها قد قطعت "نهائيا" علاقاتها مع إسرائيل ، ردا على اتهامات المعارضة للحكومة بأن العلاقات التي تم تجميدها ما زالت قائمة، وأن نظام الرئيس ولد عبد العزيز "يضلل الشعب الموريتاني، ويتكتم على هذه العلاقات".
وقد علقت موريتانيا في يناير 2009 علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل احتجاجا على الهجوم الذي شنه الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة وأسفر عن سقوط أكثر من 1400 شهيد فلسطيني ، وأغلقت سفارة إسرائيل في نواكشوط بعد ذلك وطردت موظفيها.
يشير محللون إلى أن الاتصالات بين موريتانيا وإسرائيل بدأت نهاية التسعينيات في ظروف خاصة بدأ فيها الرئيس الموريتاني بعدها يفقد الثقة في أصدقائه التقليديين من الفرنسيين ويتطلع إلى حماة جدد.
ويرجع البعض الآخر هذه العلاقات إلى عام 1995 عندما انطلقت مسيرة التطبيع الموريتاني التي رعتها أسبانيا وقتها، ووقع وزيرا خارجية إسرائيل وموريتانيا اتفاقية بهذا الخصوص في مدريد ، وافتتح الجانبان سنة 1996 مكاتب لرعاية المصالح بينهما ، وفوجئ الموريتانيون والعالم بافتتاحها دون مقدمات ظاهرة ، وبدأت العلاقات الرسمية في شهر أكتوبر 1999 .
الناهة بنت مكناس وزيرة الخارجية الموريتانية
ويؤكد هؤلاء المحللون أن علاقة إسرائيل بموريتانيا كانت لن تفيد إسرائيل عسكريا ولا سياسيا، فقد رضيت إسرائيل من القيادة الموريتانية القيام بدور "محامي الشيطان" ، فكلما اشتد الحصار الدبلوماسي على إسرائيل بسبب فظائعها المتكررة ، بادرت القيادة الموريتانية إلى النجدة في محاولة رمزية لكسر الطوق الدبلوماسي عنها ، وقد تكررت هذه الظاهرة أكثر من مرة ، ومنها : زيارة رئيس الوزراء الموريتاني لإسرائيل فور نجاح بنيامين نتنياهو في انتخابات الحكومة الإسرائيلية ووسط موجة السخط العربي على ذلك النجاح ، وزيارة وزير الخارجية الموريتاني لإسرائيل في أوج الانتفاضة الأخيرة وغزو المدن الفلسطينية بعد قرار الدول العربية المطبعة تجميد الاتصالات بالدولة العبرية ، وأخيرا لقاء الرئيس الموريتاني مع شيمون بيريز، وهو اللقاء الذي جاء متزامنا مع إعلان "شارون" إلغاء كل الاتفاقات مع الفلسطينيين بما فيها اتفاقات أوسلو.
ورغم كل هذه الظروف فإذا كانت دولة فقيرة مثل موريتانيا قادرة على اتخاذ قرار كبير كهذا، فان بقية شعوب الأمة إلا تستطيع اتخاذ قرارات مماثلة لنصرة إخوانهم في فلسطين ؟ أم أن لغة المصالح هي التي تحكم العلاقة مع إسرائيل ؟
نقطة ضعف
وحول هذا يري الدكتور عماد جاد الخبير بمركز "الأهرام" للدراسات الاستراتيجية فى مصر أن العلاقات الموريتانية الإسرائيلية جاءت في "ظروف غامضة حيث لم تبدأ القيادة الموريتانية كما فعلت بعض الدول العربية بعد مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو ، بل جاءت الخطوات الموريتانية في أسوأ وقت للقضية الفلسطينية، وفي ظل أسوأ حكومة يمينية وبالتالي لم يكن غريبا أن تنتهي هذه العلاقات فجأة أيضا".
ويضيف أن موريتانيا بدأت مسيرتها في "التودد إلى إسرائيل في وقت كانت فيه العلاقات بين إسرائيل والدول العربية تسوء يوما بعد يوم ، إضافة إلى الواقع الفلسطيني المأساوي ، فكانت الخطوات الموريتانية معاكسة لكل تفكير منطقي ينظر إلى عموم الوضع الفلسطيني والعربي في مجمله".
ويشير إلي صعوبة انتهاج الدول العربية الاخري نهج موريتانيا حيث أن لموريتانيا ظروفها الخاصة فهي كانت تريد حلفاء بدلاء عن فرنسا وقت أقامت العلاقات معهم وإسرائيل كانت تريد حلفاء جدد بأي شكل ، وعندما انتهت مصلحة موريتانيا أنهت العلاقات خاصة وان هذه العلاقات كانت نقطة ضعف لدي الرئيس الحالي واعتبارها وسيلة ضغط من قبل المعارضة .
د.عماد جاد
ويوضح أن الدول العربية "تفكر ألف مرة قبل أن تتخذ أي قرار ضد إسرائيل فهي تخشي أولا أمريكا الحليف الأول لإسرائيل ، وتنظر للأمر من مبدأ المصلحة ، إضافة إلي سعيها الدائم إلي إقامة العلاقات معها وفي مقدمتها الاقتصادية" .
علاقات مع كيان متوحش
بدوره ، يري الدكتور عبدالله الاشعل استاذ العلوم السياسية أن قطع العلاقات مع إسرائيل هو "الخطوة الواجبة على جميع الدول العربية في هذه الفترة التي توحش فيها الاحتلال الإسرائيلي ولم يعد يهاب أي شيء فهو يزهق الأرواح ويدمر المقدسات".
ويضيف أن الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية ومنها علاقاتهم مع إسرائيل يدور حول خياران ، الأول :استمرار المخطط الصهيوني والسقوط العربي رغم المقاومة الفلسطينية لهذا المخطط ،على أساس أن هذه المقاومة لا تتوفر لها عوامل الاستمرار وأن هذه الحكومات لا تتعاطف مع المقاومة رغم أنها تكرر في كل خطابها مركزية القضية الفلسطينية وقدسية الأقصى ولكن كل الشواهد تثبت انه كلام لا أكثر .
ويشير إلي أن الخيار الثاني هو أن تؤمن الحكومات العربية أن المقاومة أولى بالمساندة وأنه هو الطريق الوحيد بعد أن فشل طريق التفاوض وشعرت الأمة بالاستخفاف والهوان من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، خاصة وأنها تشهد مسرحية هزلية بينهما ويعلم العالم العربي مدى الاتفاق الكامل بين الشريكين.
ويضيف قائلا ان خيار المقاومة يتطلب الكثير وأبرزها أن تعلن الحكومات العربية صراحة فشل خيار السلام واللجوء إلى خيار المقاومة كورقة سياسية مهمة، وتعود مرة أخرى إلى مقاطعة حازمة لإسرائيل.
ويري أن الحكومات العربية تتوجس من فكرة قطع العلاقات مع إسرائيل وتعتبرها بمثابة "البعبع" الذي تخشي حتى الحديث عنه ، وتعتبر الكلام عنه من باب الهرتلة من قبل الشعب ، مشيرا إلي أن هذه العلاقة تحكمها المصالح والخوف في نفس الوقت وهو ما يجعل اتخاذ نفس الموقف الموريتاني أمرا بعيدا في الوقت الحالي .
السفير عبد الله الاشعل
ويختتم الاشعل حديثه قائلا :"كيف نتحدث عن قطع علاقات ونحن نلهث وراءهم من اجل التطبيع ؟ ، كيف نتحدث عن ذلك ونحن نبي الجدار الفولاذي ؟ ".
قطع العلاقات يدمر إسرائيل
من جانبه ، يري المستشار محمود الخضيري نائب رئيس محكمة النقض ورئيس نادي قضاة الإسكندرية سابقا أن "الوضع أصبح لا يطاق بأي حال من الأحوال فالعدو الصهيوني استباح دماء إخواننا ونحن نسعى بكل الطرق من اجل التطبيع معه ونحن نعلم جيدا أن كل هدفه هو تدميرنا" .
ويضيف أن العالم العربي "بضعف موقفه أمام الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، منح الفرص وخلقها أمامه حتى يصل إلى أهدافه، مطالبا الشعب بعدم السير خلف سياسة حكومته وأن يهب لنصرة المسجد الأقصى وكافة المقدسات الإسلامية في أي قطر كانت" .
ويشير إلي أن الأنظمة العربية والحكومات أصبحت "عاجزة نتيجة اختلال موازين القوى لديها لصالح العدو الذي ينتظر أي فرصة لتدميرنا ، مطالبا في الوقت نفسه بضرورة توحد الصف العربي بصفة عامة والصف الفلسطيني بصفة خاصة" .
وعن عواقب قطع العلاقات مع إسرائيل ، يقول إن مسالة قطع العلاقات بصفة جماعية مع إسرائيل من شانه أن "يدمر الكيان الصهيوني فهم يستفيدون من تفرقنا حتى في القرارات بشأنهم ، متسائلا أن استخدام النفط العربي كسلاح في حرب 1973 اثبت فعاليته بقوة فلماذا لا نستخدم وحدتنا كسلاح في وجهه الآن".