ابوعبدالرحمن مشرف
الجنس : عدد المساهمات : 340 نقاط : 570
| موضوع: فصل فى الكلام على حديث الافتراق الإثنين فبراير 22, 2010 9:52 pm | |
|
فصل فى الكلام على حديث الافتراق
الطعن فى حديث الافتراق أو التشكيك فيه وجوابه:
كثر فى الآونة الأخيرة الطعن فى حديث الافتراق، أو التشكيك فيه بناء على ضعف أكثر أسانيده، وغالب الذين يشككون فى حديث الافتراق، قصدهم وصف الأمة كلها بالسلامة والنجاة والاستقامة، وإزالة الفوارق العقدية والمذهبية، مع العلم أن الإخبار القاطع عن وقوع الافتراق فى الأمة ليس مقصوراً على حديث الافتراق الذى ذكر فيه عدد الفرق الثلاث والسبعين رغم شهرته وصحته بمجموع طرقه وتلقيه بالقبول من الأمة. وهذا الإنكار أو الشك ناتج عن عدة أسباب ترجع إلى حال القائل بهذا القول.
فالغالب ممن يذهبون هذا المذهب أنه ناتج عن الجهل: الجهل بسنن الله تعالى، والجهل بالشرع (نصوص القرآن والسنة) أو الجهل بالواقع، والجهل بآثار السلف.
وطائفة منهم لا يستهان بعددها، عرفناهم من الرافضة والباطنية وأتباع الفرق الأخرى، فإنهم من أكثر الناس ترويجاً لدعوى إلغاء الفوارق العقدية، وضرورة التقريب والتقارب بين الفرق، ولا أعرف أحداً يدعو إلى الحق والاجتماع على السنة إلا أهل السنة، وهذا من أبرز سماتهم اليوم، وقبل اليوم، ودائماً بحمد الله. فهم يدعون إلى اجتماع الكلمة على الحق، ووحدة الصف تحت راية التوحيد، وجمع الشمل حول السنة، والاعتصام بحبل الله، لا الشعارات والأهواء.
أما الآخرون فيقولون: نجتمع على ما نحن عليه، ونتقارب ونلغى الفوارق العقدية، وكل على ما هو عليه! وأحسنهم من يقول: "نجتمع ونتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه"، وهذا حق ومن أعظم غايات الدين، إذا قصد به الأحكام والاجتهادات، ولعل هذا مقصود أول من أطلقها فى العصر الحديث([1])، لكنها أريد بها الباطل حينما صارت شعاراً للتجميع العقدى دون تمييز بين الحق، والباطل ولا السنة والبدعة، ولا التوحيد والشرك، بل أرادوا منها التفاف الناس جميعاً تحت شعارات ورايات تقوم على الخلط ومداهنة أهل الأهواء والافتراق، والتنازل عن (السنة والجماعة) (السلف) لئلا نجرح شعور الآخرين! إن هذا هو التفريط فى الحق، والإفراط فى الإرجاء، ومصانعة أهل الأهواء. وقد نهانا الله عن ذلك فقال عز وجل: ]ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار[([2]).
هؤلاء وأولئك فيهم المشككة أو الطاعنون فى حديث الافتراق، فافهم رعاك الله.
صح من حديث أبى هريرة رضى الله عنه: أن رسول الله e قال: (تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتتفرق امتى على ثلاث وسبعين فرقة).
وخرجه الترمذى هكذا.
وفى رواية أبى داود، قال: (افترق اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة).
قال الألبانى([3]) رحمه الله تعالى:
أخرجه أبو داود والترمذى وابن ماجة وابن حبان والآجرى فى "الشريعة" والحاكم وأحمد وأبو يعلى فى "مسنده" من طرق عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة مرفوعاً به. وقال الترمذى: "حديث حسن صحيح". وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم". ووافقه الذهبي.([4])
قلت (الألبانى): وفيه نظر فإن محمد بن عمرو، فيه كلام ولذلك لم يحتج به مسلم، وإنما روى له متابعة، وهو حسن الحديث، وأما قول الكوثرى فى مقدمة "التبصير فى الدين" (ص5) أنه لا يحتج به إذا لم يتابع، فمن مغالطاته، أو مخالفاته المعروفة، فإن الذى استقر عليه رأى المحدثين من المحققين الذين درسوا أقوال الأئمة المتقدمين فيه أنه حسن الحديث يحتج به، من هؤلاء النووى والذهبى والعسقلانى وغيره. على أن الكوثرى إنما حاول الطعن فى هذا الحديث لظنه أن فيه الزيادة المعروفة بلفظ: (كلها فى النار إلا واحدة) وهو ظن باطل، فإنها لم ترد فى شئ من المصادر التى وقفت عليها من حديث أبى هريرة رضى الله عنه من هذا الوجه عنه.
وقد وردت الزيادة المشار إليها من حديث معاوية رضى الله عنه، وهذا لفظه:
(ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون فى النار، وواحدة فى الجنة، وهى الجماعة).
أخرجه أبو داود والدارمى وأحمد وكذا الحاكم والآجرى وابن بطة واللالكائى من طريق صفوان قال: حدثنى أزهر بن عبد الله الهوزنى عن أبى عامر عبد الله بن لحى عن معاوية بن أبى سفيان أنه قام فينا فقال: ألا إن رسول الله e قام فينا فقال … فذكره. وقال الحاكم وقد ساقه عقب حديث أبى هريرة المتقدم:
"هذه أسانيد تقام بها الحجة فى تصحيح هذا الحديث". ووافقه الذهبى وقال الحافظ فى "تخريج الكشاف" (ص63): "وإسناده حسن".
والحديث أورده الحافظ ابن كثير فى تفسيره (1/390) من رواية أحمد، ولم يتكلم على سنده بشىء، ولكنه أشار إلى تقويته بقوله: "وقد ورد هذا الحديث من طرق".
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية فى "المسائل" (83/2)([5]).
"وهو حديث صحيح مشهور". وصححه أيضاً الشاطبى فى "الاعتصام" (3/38).
ومن طرق الحديث التى أشار إليها ابن كثير، وفيها الزيادة، ما ذكره الحافظ العراقى فى "تخريج الإحياء" (3/199) قال:
"رواه الترمذى من حديث عبد الله بن عمرو وحسنه، وأبو داود من حديث معاوية، وابن ماجة من حديث أنس وعوف بن مالك، وأسانيدها جياد".
قال (الألبانى): قلت: ولحديث أنس طرق كثيرة جداً تَجَمَّعَ عندى منها سبعة، وفيها كلها الزيادة المشار إليها، مع زيادة أخرى يأتى التنبيه عليها.
فقد تبين بوضوح أن الحديث ثابت لا شك فيه، ولذلك تتابع العلماء خلفاً عن سلف على الاحتجاج به حتى قال الحاكم فى أول كتابه "المستدرك": (أنه حديث كبير([6]) فى الأصول) ولا أعلم أحداً قد طعن فيه، إلا بعض من لا يعتد بتفرده وشذوذه، أمثال الكوثرى الذى سبق أن أشرنا إلى شئ من تنطعه وتحامله على الطريق الأولى لهذا الحديث، التى ليس فيها الزيادة المتقدمة: "كلها فى النار"، جاهلاً بل متجاهلاً حديث معاوية وأنس على كثرة طرقه عن أنس كما رأيت. وليته لم يقتصر على ذلك، إذن لما التفتنا إليه كثيراً، ولكنه دعم رأيه بالنقل عن بعض الأفاضل، ألا وهو العلامة ابن الوزير اليمنى، وذكر أنه قال فى كتابه: "العواصم والقواصم" ما نصه:
"إياك أن تغتر بزيادة" كلها فى النار إلا واحدة" فإنها زيادة فاسدة، ولا يبعد أن تكون من دسيس الملاحدة. وقد قال ابن حزم: إن هذا الحديث لا يصح".
وقفت على هذا التضعيف منذ سنوات. ثم أوقفنى بعض الطلاب فى "الجامعة الإسلامية" على قول الشوكانى فى تفسيره "فتح القدير" (2/56):
"قال ابن كثير فى تفسيره: وحديث افتراق الأمم إلى بضع وسبعين، مروى من طرق عديدة، قد ذكرناها فى موضع آخر. انتهى. قلت: أما زيادة كونها فى النار إلا واحدة "فقد ضعفها جماعة من المحدثين" (!)، بل قال ابن حزم: إنها موضوعة".
([1]) هو حسن البنا رحمه الله.
([2]) هود: 113.
([3]) انظر السلسلة الصحيحة للشيخ ناصر الدين الألبانى رحمه الله تعالى (حديث 203/204).
([4]) ثم رأيت الحاكم قد أخرجه فى مكان آخر(1/6) وقال: "احتج مسلم بمحمد بن عمرو" ورده الذهبى بقوله: "قلت: ما احتج مسلم بمحمد بن عمرو منفرداً، بل بانضمامه إلى غيره".
([5]) مخطوط فى المكتبة الظاهرية (فقه حنبلى3).
([6]) فى الأصل: "كثر". وفى "كشف الخفاء" (1/309) عنه "كثير" وفى "المقاصد" ما أثبته، ولعله الصواب. | |
|
ابنة اللجين مدير المنتدى
الجنس : عدد المساهمات : 3816 نقاط : 4985 تاريخ الميلاد : 09/03/1944 العمر : 80
| موضوع: رد: فصل فى الكلام على حديث الافتراق الأربعاء فبراير 24, 2010 12:48 am | |
| طرح مميز جدا اخينا
تستحق عليه كل الشكر والتقدير
تبارك الله عليك اخي وبارك ربي فيكم
في ميزان حسناتك ان شاء الله
احترامي | |
|