على طريقة "الفأر المذعور" الذي يشعر بالذعر ويحاول النجاة بأي طريقة حتى تنزلق قدماه في بؤرة مشتعلة، تحاول سلطات الكيان الصهيوني توفير الأمان الزائف لشعب الاحتلال ولو كان هذا بالخداع، لذا دأبت كل فترة على ابتداع إجراءات حماية صناعية لعلها توهم رعاياها بأنهم باتوا في أمان.
وتتنوع هذه الإجراءات بدءا من تشييد مخبأ خرساني في كل منزل ليحتمي به اليهود في حالة وقوع أي هجوم منتظر، ومرورا بالمناورات الوهمية التي تجريها كل 6 شهور ورفع حالة التأهب للون الأحمر تحسبا لأي حرب إبادة منتظرة أيضا، وانتهاءً بالأقنعة الواقية التي قررت توزيعها على المواطنين للتدرب على مواجهة حرب كيماوية يتوقعون قربها.
وقد اتخذت سلطات الاحتلال إجراءات احترازية فوق عادية وسط مخاوف لا تنقطع وتأهب يجرى على قدم وساق تحسبا لوقوع حروب وشيكة ومعارك ضارية قد تهدد حياة 6.8 ملايين إسرائيلي، لذا قررت الدولة الصهيونية تزويد جميع سكانها بالكمامات الواقية بتكلفة تبلغ مليار شيكل "حوالي 260 مليون دولار" .
وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد أعلنت مؤخرا أن جهاز الأمن الإسرائيلي سيبدأ في نهاية شباط "فبراير" الحالي بتوزيع الأقنعة الواقية من الأسلحة غير التقليدية على جميع السكان في إسرائيل، ورصد ميزانية كبيرة تقدر بمليار شيكل لتسريع وتيرة إنتاج تلك الأقنعة.
وطبقا لسيناريوهات متطرفة لا يستبعد جهاز الأمن الإسرائيلي استخدام أسلحة كيميائية ضد إسرائيل. ويتوقع أن يتم توزيع الأقنعة الواقية على جميع السكان في إسرائيل خلال السنوات الثلاث المقبلة.
إيران .. بعبع إسرائيل
[د. عماد جاد ]
د. عماد جاد
ولعل هذه الاستعدادات تطرح تساؤلات حول ما إذا كانت المنطقة العربية سوف تشهد حربا وشيكة، أم الكيان الصهيوني جُبل على الخوف والرعب من الأعداء حتى وإن كانت قوته العسكرية لا يستهان بها، حيث تصنف ثالث قوة قتالية على مستوى العالم.
ويُرجع د. عماد جاد أستاذ الدراسات الإسرائيلية بمركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية بالأهرام، في تصريح لشبكة الإعلام العربية "محيط"، مخاوف إسرائيل الكبرى إلى إيران وليس لأحد من الدول العربية، وحينما تخاطب إسرائيل سوريا أو حزب الله أو حركة حماس فهي تقصد بذلك إبعادهم عن الاشتباك معها في حالة وقوع حرب بينها وبين إيران، مما يجعلها تواجه أكثر من جبهة قتال.
ويشير د. عماد إلى حرص إسرائيل البالغ على سلامة سكانها ولذا قررت توزيع الكمامات الواقية عليهم، كما أنها تحاط بالأعداء من كل جانب ولذا نجدها دائما على أهبة الاستعداد، وفي المقابل نجد أن الدول العربية لا تقارن بها في مجال وقاية سكانها من مخاطر الحروب، وهو الأمر الذي يعد رفاهية في دول يفتقر مواطنيها إلى أقل حقوقهم التي تكاد تكون معدومة في كثير من الأحوال.
نرجوكِ تأخير الحرب !
ورغم إتباع إسرائيل سياسة الحماية الوقائية تجاه سكانها إلا أنها تقابل من الداخل بالسخرية، حيث وجه عاموس هرئيل في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية بتاريخ 8/1/2010 لومه اللاذع لحكومته حول طول المدة التي تستغرقها توزيع الكمامات الواقية يتسنى معها رجاء الجيوش المعادية الانتظار لحين الانتهاء من عملية توزيع الكمامات !
وتحدث عاموس عن قرار المجلس الوزاري المصغر الخاص بشؤون الجبهة الداخلية حول زيادة التمويل الممنوح لمشروع التزود بالأقنعة الواقية على كل مواطني الدولة، ابتداء من نهاية شباط ، قائلا: هذه خطوات مهمة لتحسين الحماية التي تمنحها إسرائيل لمواطنيها، ولكن وتيرة التوزيع المخطط لها للأقنعة الواقية سوف تتيح إتمام عملية التوزيع بعد ثلاث سنوات فقط على بدء المشروع.
[قناع واقي لكل إسرائيلي]
قناع واقي لكل إسرائيلي
ويكمل ساخرا: لا شك في أنه إذا وافقت إيران و"حزب الله" و"حماس" بكل لياقة وأدب على انتظار الحرب كي تندلع بعد ثلاث سنوات، فسنأتي إلى الحرب ونحن على قدر أكبر من الاستعداد.
خرافة العمق الاستراتيجي
وأيً كان الوقت الذي سوف تستغرقه توزيع الكمامات فإن حرص إسرائيل على إتمام هذه العملية نابعا من زيادة مخاوفها وخاصة بعد انهيار خرافة العمق الاستراتيجي لها كما يوضح د.محمد وقيع الله في صحيفة "الرائد" بتاريخ 7/2/2010، حيث يقول: لم يشأ رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يكتم مخاوفه، فذكر أن أهم الأخطار التي تواجه إسرائيل في السنوات القادمة تلك الحركة التسليحية الكثيفة التي تزود الجيوش العربية والجيش الإيراني بالصواريخ الأرضية.
ويضيف د. محمد أنه أتيح لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن يشهد الرعب الذي أوقعته تلك الصواريخ في قلوب الإسرائيليين أيام حرب الخليج، ووقتها كان يتحدث على الهواء في مقابلة مع محطة CNN وفجأة وقعت غارة صاروخية اضطر معها إلى أن يضع الكمامات الواقية من الغازات قبل أن يواصل الحديث.
ونظرا لعمليات التطوير المستمرة على هذه الصورايخ، فإن الأضرار التي يمكن أن تلحقها الأسلحة الكيميائية والبيولوجية التي تحملها تزداد يوما بعد يوم، مما يجعل أضرار تلك الصواريخ في مستوى أضرار الأسلحة النووية، كما يؤكد د. وقيع الله. وبالنسبة لأعداء إسرائيل فإن تلك الصواريخ هي وسيلتها الفعالة لإلحاق الهزيمة بسلاح الجو الإسرائيلي المتفوق.
حرب الخليج .. فشنك
[تحرص إسرائيل على حياة مواطنيها دون المهاجرين]
تحرص إسرائيل على حياة مواطنيها دون المهاجرين
وحتى في حالات عدم الخطورة على حياة سكانها لا تتوان إسرائيل ومنذ بداية التسعينات في تزويدهم بسبل الأمان المختلفة، حيث بدأت توزيع الأقنعة الواقية على مواطنيها أول مرة عشية حرب الخليج الأولى عام 1991 تحسبا لإطلاق العراق صواريخ تحمل أسلحة غير تقليدية.
وعلى عكس التوقعات لم تشكل حرب الخليج الأولى أي تهديد للكيان الصهيوني، كما قال سامي ميخائيل في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية : زعماء دولة إسرائيل ووسائل إعلامها اتخذوا استعدادات "وبهرجات" ضخمة تمهيدا لاندلاع الحرب على العراق. وكان من شأن الدعوة المتسرعة للجمهور بالقدوم إلى مراكز توزيع كمامات الغاز أن تخلق الجزع والذعر المرغوب لأي نظام يحتاج إلى الكمامات أو الأقنعة.
ويكمل سامي : لكن صدام حسين خطف الأضواء بطريقته المميزة فهو ببساطة لم يعتل خشبة المسرح، كما أن صواريخ سكود لم تزرع الدمار في بيوت الإسرائيليين، غير أن السلطات الإسرائيلية لم تيأس، حتى أنها أرغمت الأطفال الصغار على حمل الكمامات على ظهورهم أثناء ذهابهم إلى روضة الأطفال.
وبعد فترة وجيزة أخذ الكبار والأولاد الصغار يتجاهلون الأوامر والتعليمات في هذا الخصوص. والشخص الوحيد الذي واصل حمل الكمامة معه لأيام طوال كان وزير الدفاع شاؤول موفاز.
وبعد فترة عادت سلطات الأمن الإسرائيلي وجمعت الأقنعة الواقية ووزعت أقنعة جديدة عشية عملية "ثعلب الصحراء" العسكرية الأمريكية ضد العراق في نهاية العام 1998.
أقنعة "ساكند هاند" !
وما يثير الدهشة أن انتقائية وعنصرية إسرائيل لا تغيب عنها حتى في الأوقات التي تتوقع صعوبتها وخطورتها على سكانها وهي السياسة التي اتبعتها في توزيعها للأقنعة الواقية، وهو ما كشفته القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي عام 2003، حيث أكدت أن الأقنعة الواقية من الغاز التي يبيعها الجيش الإسرائيلي للعمال الأجانب في إسرائيل بالية واعتبرت غير صالحة للاستعمال للإسرائيليين.
وأوضحت القناة أن هذه الأقنعة أنتجت في 1984 بينما تعود جرعات الاتروبين التي يتم حقنها للوقاية من آثار الغازات في حال هجوم برؤوس غير تقليدية إلى ما قبل 1995.
وكان المهاجر، سواء بطريقة قانونية أو غير قانونية، من المقيمين في إسرائيل يحصل على القناع في مقابل مائتي شيكل "40 دولاراً"، بينما يحصل الإسرائيليون على الأقنعة مجانا.
ونقلت الإذاعة عن متحدث باسم أجهزة الدفاع المدني أن السلطات العسكرية قررت تسليم المهاجرين أقنعة أقدم. وقال إن "الإسرائيليين الذين يعيشون هنا يحتفظون بأقنعتهم بينما العمال الأجانب يقيمون مؤقتا ويستخدمون أقنعتهم لفترة اقصر".