العقود غير المسماة:
بعد تحديد صيغ الاستثمار الإسلامي الرئيسة المستخدمة في البنوك الإسلامية، أي: في التمويل الإسلامي، والتي تشير بوضوح إلى ثراء الفقه الإسلامي، يتعين تأكيد ضرورة الاستمرار في تطوير أدوات التوظيف، وتحديث "المنتجات: المصرفية الإسلامية، لتتماشى دائما مع مستجدات العصر وتغيرات ظروف المكان والزمان. كما يجب التشديد على حقيقة أن فقهاءنا لم يقولوا بهذه العقود على سبيل الحضر، بل قالوا بفكرة العقود "غير المسماة" بمعنى أنه إذا اتفق طرفان على صيغة عقد لم يتضمنه التراث الفقهي ولا يتعارض مع نص إسلامي أو موقف واضح من حيث الحل والحرمة فهي صيغة صحيحة شرعا على أساس أن "الأصل في الأشياء الإباحة" وأن "الحكمة ضالة المؤمن" وهو أولى بها، كالما لا تحل حراما أو تحرم حلالا. ولعل هذا الانفتاح المقصود من السمات المهمة التي أعطت لهذه الشريعة الغراء القدرة اللازمة والمرونة المناسبة – في المعاملات – لمقابلة الظروف المتغيرة والمتجددة والمتطورة.
جدوى التمويل الإسلامي:
وعليه، يقوم التمويل الإسلامي من خلال المصرفية الإسلامية بالاستثمارات الحقيقية قصيرة الأجل وفق صيغ المشاركة قصيرة الأجل، والمضاربة قصيرة الأجل والمزارعة والمساقاة وبيوع الأجل والمرابحة للآمر بالشراء والسلم والاستتصناع والتأجير التشغيلي. كما يقوم بجانب الاستثمار المباشر في تأسيس الشركات والمساهمة في تأسيسها بالاستثمارات طويلة الأجل وفق صيغ المشاركة طويلة الأجل والمضاربة طويلة الأجل والاستتصناع والتأجير التمويلي.
هذا، بالإضافة إلى أن البنك الإسلامي يقوم بكافة المعاملات المصرفية المعاصرة الجائزة وفقا للشريعة الإسلامية.
وعليه، أثبت التمويل الإسلامي ممثلا في البنوك الإسلامية كبنوك تنمية أو شركات استثمار حقيقي مخاطر طويل الأجل، بعيدة تماما عن الاستثمار الورقي ومشتقاته ومقامراته جدواه المصرفية والاقتصادية والإنمائية. ولقد ظهرت هذه البنوك وازدهرت بمعدلات نمو متسارعة محليا وإقليميا ودوليا خلال فترة وجيزة لا تتعدى نحو ثلث قرن حيث إن أول مؤسسة نقدية إسلامية أنشئت في منتصف السبعينيات من القرن الماضي وتحديدا عام 1975.
ونود أن نشدد على حقيقة أن البنك الإسلامي في قيامه بتوظيف موارده في استثمارات حقيقية في الاقتصاد العيني يتعرض لمخاطر عدم سداد مستحقاته قبل الغير ومخاطر العملية بصفته مشاركا فيها وبالتالي في نتائجها ومخاطر عدم إفصاح العميل عن حقيقة نتائج الأعمال ومخاطر الظروف الاقتصادية المحيطة بعمل البنك وتفرض هذه المخاطر على البنك أن يتحسب لها بتنفيذ أكثر صرامة وجدية لسياسات إدارة السيولة والعائد ومخاطر التمويل وكفاية رأس المال وبصفة خاصة القيام بدراسة وافية للعملية محل التمويل والاستعلام الدقيق حول العميل وأخذ الضمانات أي: رهونات عينية ومالية كافية لضمان حقوقه ولعل هذا السلوك بجانب أسباب أخرى على رأسها البعد عن الاستثمار الورقي هو الذي حصن هذه المؤسسات الإسلامية من الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية الحالية.
ولعلم عوامل نجاح التمويل الإسلامي يتمثل أساسا فيما يلي:
- نمو حجم النشاط: حيث وصل عدد البنوط والمؤسسات النقدية الإسلامية الآن نحو (500) بنك ومؤسسة، منتشرة في أرجاء العالم تعمل من خلال شبكة فروع لا يقل عددها عن (5000) فرع وتتعامل مع مئات الملايين من العملاء ووصل حجم عملياتها إلى نحو (1.5) تريليون دولار وشملت عملياتها كافة الأنشطة الاقتصادية الزراعية والصناعية والخدمية , كل هذا الانجاز في نح ثلث قرن.
- الاعتراف بجدوى التمويل الإسلامية: اعترافا بجدول البنوك الإسلامية وخشية أن تتسرب ودائع البنوك الربوية إليها سارعت الكثير من هذه البنوط في الدول النامية المتقدمة إلى إنشاء فروع لها للمعاملات الإسلامية أو "شبابيك" للتعامل الإسلامي بل إن بعضها أنشأ بنوطا إسلامية كاملة مستقلة عنها كسيتي بنك وتشيس في البحرين وهناك ما لا يقل عن 40 بنكا إسلاميا ومؤسسة نقدية إسلامية في الولايات المتحدة الأميركية وحدها. كما أن هناك بنوكا إسلامية وفرعا وشابيك للمعاملات الإسلامية في المملكة المتحدة والدنمارك وألمانيا والنمسا وفرنسا وليس هذا بالقطع إيمانا عقديا بالفكرة وإنما استغلالا لجدواها المصرفية والاقتصادية.
- شهادة المنظمات الدولية المختصة: إذ صدر عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير دراسات معمقة حول المصرفية الإسلامية تشيد بهذه التجربة وتنصح الدول النامية منها الإسلامية بالأخذ بها لأنها تمثل الأداة التمويلية الفاعلة للمشروعات الإنمائية التي تحتاج إليها هذه الدولي لتحقيق تنمية جادة ومستديمة. وهذا يرجع بالأساس إلى حقيقة أن هذه المؤسسات النقدية لا تقوم على الاستثمار المالي وإنما على الاستثمار الحقيقي طويل الأجل في الاقتصاد العيني.
خاتمة
ثم جاءت الأزمة المالية العالمية والتي انعكست على الاقتصاد الحقيقي بركود حاد ومن ثم أزمة اقتصادية عالمية لتدفع المفكرين وبعض متخذي القرار في كثر من دول العالم وبالذات الدول الغربية إلى التفكير الأخذ في الأخذ ولو جزئيا بالبديل الإسلامي في التمويل.
ولقد ظهر هذا واضحا ومتزايدا في المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا والنمسا وإيطاليا والفاتيكان. فهل لنا كدول إسلامية أن نعتز بهويتنا ونفجر بمنهجنا ونسارع بتطبيق "كامل" وحقيق للنمط الإسلامي في التمويل والتي حالت هذه الورقة أن تقدم مختصرا لأساسياته. ومن ثم نشجع الآخرين بأن يحذو حذونا. إنقاذا للاقتصاد العالمي من الأزمة الطاحنة التي يمر بها ومحاولة بالتالي لإسعاد البشرية جمعاء؟ّ
إنها إذا وحقا كبيرة الربا وراء كل الشرور الاقتصادية التي تعاني منها البشرية ولذلك لعلمه الأزلي بمن خلق وهو اللطيف الخبير وأعلن رسوله صلى الله عليه وسلم حربا على مقترفيها حتى تطهر المجتمعات البشرية بالابتعاد عنها.
إذ يقول سبحانه "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون. (البقرة: 278 – 279) صدق الله العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
مقتبس من موقع الجزيرة في مقالة للأستاذ - عبدالحميد الغزالي
</blockquote>