حركة التقريب" -كما تسمى- تمتلك جذورها التاريخية، وتتضح ضرورتها في ضرورة وحدة الأمة، ومسؤوليتها في توجيه كل طاقاتها إلى الإسهام في الحضارة. وقد وضعت اللبنات الأولى لهذه الحركة في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، وكُتب العديد من المقالات لترسيخها.غير أن الأحداث القريبة الماضية والحالة العراقية تعيد المسألة إلى ساحة الأولويات، ومن ثَم وجدنا الموضوع يفرض حضوره على الساحة، حتى عقد مؤخرًا مؤتمر البحرين (20-22/9/2003) الذي ضم نحو 125 شخصية على مستوى العالم للتقريب بين المذاهب الإسلامية؛ ولهذا فقد ارتأينا أن نفرد له مساحة عبر صفحات موقعنا؛ فكان هذا الملف الذي طُرح فيه عدد من الأوراق وفق زوايا نظر مختلفة، ومن مواقع مذهبية مختلفة.في الملف يتناول الشيخ محمد علي التسخيري الأسس الإيمانية المشتركة بين المذاهب، والمبادئ التي ينبغي أن يلتزم بها التقريبيون، ويلتقي في عدد منها مع الشيخ القرضاوي الذي يقدم في ورقته "مبادئ للتقريب بين المذاهب الإسلامية"، ويلخصها في: معرفة الآخر من مصادره، وحسن الظن به، والتعاون في المتفق عليه، والتحاور في المختلف فيه، وتجنب الاستفزاز، والمصارحة بالحكمة، والبعد عن شطط الغلاة، والحذر من الدسائس، وينهيها بالحديث عن ضرورة التلاحم.في حين أن الشيخ مهدي شمس الدين -رحمه الله- يتناول خطاب الوحدة في العقيدة والشريعة، ليقول: إن الإغراق في المذهبية من شأنه أن يلغي عالمية الإسلام.. ويرى الحل في الاعتراف بالمسلم، ويقترح إنشاء هيئة لقضايا الوحدة والتقريب، ويقدم مجموعة من الأسس التي يقترحها للميثاق التأسيسي للهيئة، تتلخص في أن التمذهب ظاهرة طبيعية، والجميع سواء في حقوق المواطنة وواجباتها، ويلتقي في بعض ذلك مع كل من التسخيري والقرضاوي. وهذه الهيئة تحمل توجهًا عالميًّا للقبول بالآخر غير المسلم، ويشير إلى أن الخلافات السياسية ذات الأسباب الطائفية من شأنها أن تدمر الوحدة، ويختم بالحديث عن الدعوة إلى تأسيس منهج الاجتهاد المطلق العام في جميع المذاهب.الباحث السيد هاني فحص يناقش الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة ومنطلقاتها النظرية، ويخلص إلى أن الخلاف الفقهي يؤول إلى "خلاف شكلي". أما العقدي منه فإن علم الكلام الجديد سوف يجعله عرضة في المستقبل لكثير من الاكتشافات والمكاشفات التي تقرِّب المسافات أو تلغي المفتعل منها. ويتساءل: هل يمنع ذلك الخلاف أن يتسع الفضاء المنهجي للاستنباط الفقهي لمشتركات نظرية تترتب عليها موافقات متحركة في تشخيص الموضوعات وترتيب أحكامها عليها؟ وهل الخلافات مسؤولة عن التباعد عن مقتضيات الوحدة؟ ويختم بذكر بعض الأمثلة التاريخية على التقارب لإيقاظ الذاكرة.ثم يقدم الباحث معتز الخطيب قراءة نقدية لخطاب التقريب يثير فيه نظرات نقدية متعددة، بدءا من مشكلة الإمساك بالمفهوم واختلاف العناوين المعبرة عنه، إلى أن الاختلافات المذهبية تتأرجح بين خلط العقدي بالفقهي، والنزوع نحو التهوين من شأنها؛ لتنتهي بحصر الخلاف في الفقهي، ويقول: إن الخلاف أعمق من ذلك بكثير، والتستر عليه يعتبر أمرًا سلبيًّا للتقريب، وإن الوعي بالاختلاف بين الفريقين وبحث "تاريخيته"، والكشف عن الجانب البشري في الفكر الديني عامة بالممارسة النقدية على أساس معرفي لا مذهبي، وفرز النصوص: محور أساس للتقريب بين الفريقين.أبو يعرب المرزوقي ينظر إلى المسألة نظرًا فلسفيًّا من زاوية الفكر السياسي؛ فيسعى إلى إثبات الوحدة التاريخية كما تعينت في مسألة الخلاف الأساسية بين السنة والشيعة، وهي المسألة السياسية عامة، ومسألة مبدأ الشرعية التي يستند إليها الحكم خاصة؛ ليثبت الوحدة العميقة وراء الخلاف الفكري بين المذهبين، وهو مشروع مهم جدًّا -كما يقول- بالنسبة إلى من يسعى إلى توحيد المسلمين في المستقبل، وخاصة بالنسبة إلى من ينطلق من الفكر الشيعي الذي كان يتجاهل هذا "الماوراء" الواحد؛ فيكتفي بالمقابلة بين الأخيار والأشرار