صدر مؤخرا في طبعة شعبية جديدة عن هيئة قصور الثقافة المصرية ديوان الرصافي شاعر العراق الكبير ..وليس الرصافي الشاعر شيئا قليلا في تاريخ الأدب العربي في هذا العصر فالرصافي أحد رواد الشعر المعاصرين .
يمتاز أسلوب الرصافي بمتانة لغته ورصانة أسلوبه ، وله آثار كثيرة في النثر والشعر واللغة والآداب أشهرها ديوانه [ ديوان الرصافي] حيث رتب إلى احد عشر بابا في الكون والدين والاجتماع والفلسفة والوصف والحرب والرثاء والتاريخ والسياسة وعالم المرأة والمقطعات الشعرية الجميلة ، يقول في مشاهدته لأرملة وبنتها الصغيرة ، توفي زوجها وتركهما بين الفقر والبؤس الذي يذيب القلوب الجامدة حيثبلغ القمة بوصفه إذ قال:
لقيتها ليتنـي ما كنـت ألقاها
تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها
أثوابـها رثة والرجـل حـافية
والدمع تذرفه في الخد عيـناها
بكت من الفقر فاحمرت مدامعها
واصفر كالورس من جوع محياها
مات الذي كان يحميـها ويسعدها
فالدهر من بـعده بالفقر أنساها
الموت افجعهـا والفقر أوجعها
والـهم انحلهـا والغم أضـناها
فمنظر الحـزن مشهود بمنظرها
والبؤس مــرآة مقرون بمرآها
تمشي وتحمل باليسرى وليدتها
حملا على الصدر مدعوما بيمناها
تقول: يا رب لا تـترك بلا لبن
هذه الرضيعة وارحمني وإياها
كانت مصـيبتها بالـفقر واحدة
ومـوت والدهـا باليتـم ثناها
هذي حكاية حال جئـت اذكرها
وليس يخفى على الأحرار مغزاها
لقد شارك الرصافي في قضايا أمته السياسية والاجتماعية ، ودعا إلى بناء المدارس ونشر العلم ، والتي ينبغي لطالب العلم إن لا يكون طلبه للعلم لذاته بل لغايات اجتماعية وذلك من خلال ربطه بالعمل فهل وفى اللفظ بهذا المعنى ؟ لذلك نجده يقول: ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا
حتى نطـاول في بنيانها زحلا
جودوا عليها بما درت مكاسبكم
وقابلـوا باحتقار كل مـن بخلا
لا تجعلوا العلم فيها كـل غايتكم
بل علموا النشء علما ينتج العملا
ربـوا البنيـن مع التعليم تربية
يمسي بهـا ناطق الدنيا به المثلا
فجيشوا جيش علم من شبيبتنـا
عرمرما تضـرب الدنيا به المثلا
أنا لمن اـمة في عهد نـهضتنا
بالعلم والسيف قبلا انشات دولا
وعندما احتل الانجليز العراق سنة 1920م ، سرعان ما نصبوا فيصل ملكا على البلاد وأصدروا دستورا وانشئوا برلمانا مزيفين وأصبحت أمور البلاد بأيديهم ثار الشعب العراقي وثار الرصافي معهم حيث انشد قصيدته التي جاء فيها:
عـلم ودستور ومـجلس امـة
كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليـس لنا سـوى ألفاظها
أمـا معانيها فليـست تعـرف
من يقرا الدسـتـور يعلـم انه
وفقا لصـك الانتـداب مصنف
فكان الدستور الذي سن في نظره ليس إلا وثيقة جديدة للانتداب الذي فرضه الانجليز على العراق ، دستور مزيف وعلم الدولة مزيف هو الآخر ، وحتى المجلس الذي يسمى بمجلس الأمة أيضا كان مزيفا ، ثم نلاحظ الشاعر الرصافي يصرخ ساخرا ويقول:
يا قوم لا تتكلموا
إن الكلام محرم
ناموا ولا تستيقظوا
ما فاز إلا النوم
وتأخروا عن كل ما
يقضي بان تتقدموا
ودعوا التفهم جانبا
فالخير أن لا تفهموا
أما السياسة فاتركوا
أبـدا ولا تنـدموا
وبعد برهة من الزمن شكلت الوزارة من قبل حكومة الانتداب فقام مخاطبا تلك الوزارة المنقادة لتنفيذ أوامر أسيادهم حيث يقول:
بالله يا وزراءنا ما بالكم
إن نحن جادلناكم لم تنصفوا
هذي كراسي الوزارة تحتكم
كادت لفرط حيائها تتقصف
انتم عليها والأجانب فوقكم
كل بسلطته عليكم مشرف
أيعد فخرا للوزير جلوسه
فرحا على الكرسي وهو مكتف
يتبع