وتأتي فتوى الأزهر في وقت تصاعدت فيه ردود الأفعال العربية والدولية المنددة بالخطوة التي اتخذتها القيادة المصرية والقاضية ببناء جدار من الفولاذ على الحدود بين الأراضي الفلسطينية ومصر.
وتمحورت ردود الأفعال حول استنكار هذه الخطوة التي اعتبر عددٌ كبيرٌ من المتابعين والمحللين أنها تأتي كخطوةٍ إضافيةٍ تهدف إلى تشديد الحصار على أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني مُحاصَرين في قطاع غزة منذ أكثر من ثلاثة أعوام متواصلة.
وحسبما ذكرت صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، عارض عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، الشيخ يوسف البدري، الفتوى، واصفا المضي في بناء الجدار بأنه حرام، وغير شرعي، لافتا إلى أن كل من شارك في بناء الجدار، سواء بالكلمة أو بالأمر أو بحمل الأحجار أو الرمال أو المجهود البدني آثم شرعا، وبرأيه سيتحمل العلماء الذين أفتوا بتحليله الوزر الأكبر.
بدوره، قال القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، الدكتور عصام العريان، إن "الفتوى خرجت تحت ضغط السلطات المصرية"، وأضاف: "من حق كل دولة حماية أمنها، لكن الأزهر إذا أراد الإنصاف وتحقيق التوازن كان عليه أن يطالب أيضا بفتح المعابر بطريقة طبيعية".
وأشار العريان إلى أن "السلطات المصرية لم تقدم دليلا موضوعيا وملموسا على أن الأنفاق بين مصر وغزة تشكل تهديدا لأمنها"، مضيفا أن "عمليات التهريب داخل هذه الأنفاق تتم في اتجاه واحد فقط إلى داخل القطاع".
كان رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ يوسف القرضاوي، أفتى بأن الجدار الفولاذي الذي تقيمه مصر هذه الأيام على الحدود بينها وبين غزَّة عمل محرَّم شرعاً المقصود به سد كل المنافذ على غزَّة، للزيادة في حصارهم وتجويعهم وإذلالهم والضغط عليهم، حتى يركعوا ويستسلموا لما تريده إسرائيل.
وقال القرضاوي في بيان نشرته صحيفة "الراية" القطرية: "إن مصر ليست حرَّة في المساعدة على قتل قومها وإخوانها وجيرانها من الفلسطينيين بدعوة السيادة الوطنية على أراضيها".
وامس الجمعة، اعاد القرضاوي التأكيد على أن قيام السلطات المصرية ببناء جدار فولاذي على حدودها مع غزة بمثابة قتل متعمد للفلسطينيين.
وقال القرضاوي في خطبة الجمعة إن مبررات النظام المصري لإقامة الجدار "هزلية" حيث لا تشكل الأنفاق التي يستخدمها أهالي غزة لتهريب الغذاء والدواء أي مساس بأمن وسيادة مصر، بينما تمثل إسرائيل الخطر الحقيقي على الأمن القومي المصري، داعيا النظام المصري إلى توجيه عشرات الملايين من الدولارات إلى فقراء مصر بدلا من إنفاقها على بناء الجدار الذي يقام بإرادة الغرب وليس الشعب المصري.
أكد أن بناء الجدار الفولاذي يعطي الفرصة لإسرائيل للتحكم أكثر في الفلسطينيين، مشيراً إلى أن معبر رفح هو رئة الحياة التي يتنفس منها الفلسطينيون، وفتحه واجب ديني وأخلاقي وقانوني لمساعدة الفلسطينيين المحاصرين .
كما أفتى الشيخ عبد المجيد الزنداني رئيس "جامعة الإيمان" اليمنية بعدم شرعية بناء الجدار ، وقال : "إننا فوجئنا كما فوجئ العالم بقرار الحكومة المصرية بناء جدارٍ فولاذيٍّ على حدودها مع قطاع غزة"، متسائلاً: "لماذا هذا الجدار؟! ولمصلحة من؟! ومن الذي أباح لمسلمٍ المشاركة في حصار أخيه المسلم؟!"، معتبرًا أن هذا الفعل لا يجوز وحرام وباطل.
واضاف: إن إنشاء جسر فولاذي على غزة جريمة كبرى بحق مليون ونصف المليون إنسان يعيشون داخل غزة، مضيفا: من قتل شخصا كمن قتل البشرية جمعاء، فكيف تقبل مصر على نفسها هذه الجريمة لذا فإن مصر مشاركة في قتل أبناء غزة.
وتابع: "المشاركة في القتل هو قتل وهذه المشاركة المصرية تتمثل في منع الغذاء والدواء عن إخواننا ما ينتج عنه الجوع والموت وهذا حكمه معلوم ومعروف".
واستنكر الزنداني استمرار الحصار الجائر على أهل غزة رغم مرور سنواتٍ على هذا الحصار الظالم الذي استغربه أيضًا العالم الإنساني وما استطاع أن يصبر عليه، وسيَّر القوافل الإنسانية الإغاثية من أماكن بعيدة.
وطالب علماء الأزهر بأن يبيِّنوا للحكومة المصرية أن "من أعان على حصار مسلم فهو ظالمٌ ومعتدٍ وقاتلٌ، وأن المسلم الذي يدافع من أجل حصوله على لقمة عيشه وضرورات حياته إذا قُتل من أجل ذلك فهو شهيد، وإذا قَتَل فليس عليه شيء"، معتبرًا أن منع الطعام وأسباب الحياة قتلٌ بطيءٌ.
فتوى الأزهر
وقال بيان صادر عن المجمع عقب اجتماعه برئاسة الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر: "من حق مصر الشرعي أن تقيم على أراضيها من المنشآت والسدود ما يصون أمنها وحدودها وحقوقها،
وهذا الحاجز الحدودي الذي تقيمه السلطات المصرية بينها وبين قطاع غزة يعد من الحقوق الشرعية لكل الدول، وإن من الحقوق الشرعية وضع الحواجز التي تمنع ضرر الأنفاق التي تتسبب في تهريب المخدرات وغيرها مما يزعزع أمن مصر، ويهدد مصالحها تهديدا لا مفر من مواجهته".
وأضاف البيان أن هذا العمل الذي تقوم به مصر، تأمر به الشريعة الإسلامية التي كفلت لكل دولة حقوقها وأمنها وكرامتها، و"الذين يعارضون ذلك يخالفون ما أقرته شريعة الإسلام، من أن لكل دولة أن تحفظ حقوق أبنائها وتمنع كل عدوان على حقوقها المشروعة".
وأيد وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، الشيخ محمود عاشور، الفتوى الأخيرة، معتبرا إياها تتفق مع روح الشريعة الإسلامية التي أتاحت للدول أن تتخذ من الوسائل والإجراءات ما يحمى أمن أفرادها ويؤمّن استقرارها، قائلا إن "تأمين الحدود جزء من هذه التدابير".
رد "الجبهة" على الفتوى <TABLE align=left><TR height=1></TR><TR> | | </TR><TR> | بناء جدار رفح الحديدي | <td></TD></TR></TABLE> في هذه الأثناء، استنكرت جبهة علماء الأزهر فتوى مجمع البحوث الإسلامية بشرعية بناء الجدار، وأكدت في بيان نشره موقعها الالكتروني أن بناء هذا الجدار "حرامٌ شرعًا وقانونًا وإنسانيًّا"؛ لما يهدف إليه من حصار الأشقاء في قطاع غزة، وسدِّ كل المنافذ الشعبية للضغط عليه وإذلاله في وجه الأجندة الصهيو- أمريكية، وإعطاء الشرعية للعدو الإسرائيلي.. وقالت: "خرج علينا مجمع البحوث بفتوى غير موفقة ولا مُنَزَّهةٍ تقول إن بناء الجدار الفولاذي على حدود مصر مع غزة حلال!!! وذلك بدلا من أن يلزموا الصمت الذي وإن كان في غير صالحهم إلا أنه كان خيرا لهم مما وقعوا فيه من أمر هم يعلمون قيمته وأثره عند الله وفي ميزان الخَلْقِ والأخلاق". اضافت: "إن هذا الحصار كما يعلمون قد جمع من الموبقات السبع مابين الثلاثة إلى الخمسة من تلك الموبقات، فحصارها ليس جريمة واحدة بل هو جرائم تؤدي إلى غيرها مما هو أشد مما يستدعي نزول مقت الله بالفاعلين والساكتين. وقال البيان: "إن الجدار الفولاذي هو تأكيد لسياسة الكافرين "سايكس بيكو" تلك السياسة التي رمت وترمي إلى أن أرض المسلمين ليست أرضا واحدة، وينبغي أن لا تكون كذلك على ما تهدف سياسة المستعمرين، وينبغي كذلك على وفق رغباتهم أن لا تكون الأرض لله، كما إن حصار غزة بهذا الجدار يعتبر قتلا للمحاصرين، والمُعين على القتل شريك القاتل، كما أن المعين على الغدر شريك الغادر". ودعا العلماء إلى ضرورة دعم جهاد المقاومةِ الفلسطينية ماديًّا ومعنويًّا وإعلاميًّا، وتثبيت قوتها، و"تسهيل التواصل الرسمي والشعبي مع المقاومة بفتح معبر رفح للأشقاء في غزة؛ باعتبار أنه الرئة الوحيدة التي يتنفسون من خلالها كواجبٍ شرعيٍّ وقانونيٍّ وإنسانيٍّ، وحتى لا يظلَّ وحيدًا في ميْدانِ المعركة". وأكد العلماء أن "حماية النظام المصري وشعبه للأشقاء في قطاع غزة حمايةٌ للأمن القومي المصري وسيادته، ودليلٌ على ترابط الأمة وتماسكها أمام العدو الصهيوني"، مطالبين النظام المصري بتذكر قول الله تعالى:?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ?، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ولا يخذله"؛ أي لا يتخلَّى عنه، وقول الرسول عليه الصلاة والسلام "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا". الجدار كانت تقارير صحفية ذكرت في وقت سابق أن مصر بدأت مؤخرا بناء جدار فولاذي بعمق من 20 إلى 30 مترا تحت الأرض، بطول عشرة كيلومترات تمثل الحدود مع غزة، في محاولة للقضاء على ظاهرة الأنفاق التي تُستخدم في تهريب البضائع من سيناء إلى القطاع المحاصَر وفيما يخص مواصفات الجدار، ذكر موقع "الشبكة الفلسطينية الإخبارية" على الإنترنت، نقلا عن مصادر وصفها بالموثوقة، أن آلية للحفر يتراوح طولها بين 7 إلى 8 أمتار تقوم بعمل ثقوب فى الأرض بشكل لولبى، ومن ثم تقوم رافعة بإنزال ماسورة مثقبة باتجاه الجانب الفلسطينى بعمق ما بين 20 و30 متر. وأضافت الشبكة فى تقرير مرفق برسم كروكى لقطاع من الجدار، أن العمل على الآليات الموجودة هناك يتولاه عمال مصريون فى أغلبهم يتبعون شركة "عثمان أحمد عثمان"، بالإضافة إلى وجود أجانب بسيارات جى أم سى فى المكان. ووفقا للمصادر فإن ماسورة رئيسية ضخمة تمتد من البحر غربا بطول 10 كيلومترات باتجاه الشرق يتفرع منها مواسير فى باطن الأرض مثقبة باتجاه الجانب الفلسطينى من الحدود يفصل بين الماسورة والأخرى 30 أو 40 متر. وأوضحت أنه سيتم ضخ المياه فى الماسورة الرئيسية من البحر مباشرة، ومن ثم إلى المواسير الفرعية فى باطن الأرض، مضيفة أنه بما أن المواسير مثقبة باتجاه الجانب الفلسطينى فإن المطلوب من هذه المواسير الفرعية هو إحداث تصدعات وانهيارات تؤثر على عمل الأنفاق على طول الحدود من خلال تسريب المياه. ولفتت إلى أنه خلف شبكة المواسير هذه يتمدد فى باطن الأرض جدران فولاذية بعمق يتراوح بين 30ــ35 متر فى باطن الأرض، وعلاوة على وظيفة هذا الجدار المصمم لكبح جماح الأنفاق إلى جانب أنابيب المياه، فإنه يحافظ على تماسك التربة على الجانب المصرى، فى حين تكون الأضرار البيئية والانهيارات فى الجانب الفلسطينى، على حد قول هذه المصادر.
|