: وهل يصوم القلب ؟
نعم : يصوم أعظم صيام .
كيف ؟
: صيام القلب بالإعراض عن الهمم الدنيئة والأفكار الدنيوية ,
وبكفه عما سوى الله بالكلية .
: وكيف يكون الفطر من هذا الصوم ؟
: يكون بالفكر فيما سوى الله والدار الآخرة ,
وانشغال القلب بالدنيا إلا دنيا تراد للآخرة .
: وهل لذلك أثر من الكتاب والسنة ؟
: قولة تعالى :
( يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ـ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)
( الشعراء : 88 , 89 )
فعلق النجاة يوم القيامة على سلامة القلوب و إذا سلمت القلوب سلمت الجوارح ,
واستقامت على طاعة الله , واجتنبت معصيتة ونواهي.
وقال النبي صلى الله علية وسلم :
( ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد ,
وإذا فسدت فسد سائر الجسد , ألا وهي القلب "
( متفق علية ) .
فأساس الصلاح والفساد هو صلاح القلوب وفسادها ..
ولذلك كان إصلاح القلوب وتهذيبها وتطهيرها من أعظم أعمال الطاعة التي غفل عنها كثير من الناس .
قال أبو تراب النخشبي :
ليس من العبادات شئ أنفع من إصلاح خواطر القلوب .
وقال أحمد بن خضروية :
القلوب أوعية , فإذا امتلأت من الحق , أظهرت زيادة أنوارها على الجوارح , و إذا امتلأت من الباطل أظهرت زيادة ظلمتها على الجوارح .
" صــــفة القلــــب الصائــم "
والقلب الصائم :
قلب متحرر من حب الدنيا والتعلق بشهواتها وملذاتها , طلباً للنعيم الأعلى والراحة الدائمة .
قال رابعة :
شغلوا قلوبهم بحب الدنيا عن الله عز وجل , ولو تركوها لجالت في الملكوت ,
ثم رجعت إليهم بطرائف الفوائد .
والقلب الصائم : قلب مشغول بالفكر في الآخرة , والقدوم على الله عز وجل .
قال حادث بن أسد :
بلية العبد تعطيل القلب عن فكرة في الآخرة , حينئذ تحدث الغفلة في القلب .
والقلب الصائم : قلب سالم من الأحقاد والضغائن لا يضمر لأحد من المسلمين غلاً ولا شراً ولا حسداً ..
بل يعفو ويصفح ويغفر ويتسامح , ويحتمل أذى الناس وجهلهم .
وقد سئل ابراهيم بن الحسن عن سلامة القلب فقال :
" العزلة ،، والصمت وترك استماع خوض الناس ولا يعقد القلب على ذنب ,
ويهب لمن ظلمة حقه " .
والقلب الصائم : قلب ساكن مخبت متواضع ليس فيه شئ من الكبر والغرور والعلو في الأرض .
قال النبي صلى الله علية وسلم :
" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر "
( رواة مسلم ) .
والقلب الصائم : قلب مخلص لا يريد غير وجه الله ,
ولا يطلب إلا رضى الله , ولا يلتذ بغير محبة الله وذكره وشكره وحسن عبادته .
قال يحيى بن معاذ :
النسك هو العناية بالسرائر واخراج ما سوى الله عز وجل من القلب .
وقال ضيعم :
إن حبه تعالى شغل قلوب محبيه عن التلذذ بمحبة غيره فليس لهم في الدنيا مع حبة لذة تداني محبته ,
ولا يأملون في الآخرة من كرامة , الثواب أكبر عندهم من النظر إلى وجه محبوبهم .
فأين أصحاب هذه القلوب النقية ؟
و أين أرباب تلك الهمم العليّة ؟
ذهبوا ـ والله ـ فهل ترى لهم بقية ؟
" عـــــــلاج القلــــــوب "
و إذا مرض القلب توجب علاجه ومداوته حتى يعود إلى حال الصحة والقوة وعلاج القلوب يكون بأمور منها :
1 ـ ترك الذنوب :
ففي الحديث قال رسول الله صلى الله علية وسلم :
" إن المؤمن إذا أذنب , كانت نكتة سوداء في قلبة ,
فإن تاب ونزع واستغفر صقُل قلبه , و إن زاد زادت حتى تعلو قلبه ,
فذلك الران الذي ذكر الله عز وجل في كتابة:
( كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ "
( المطففين )
( رواة الترمذي وقال حسن صحيح ) .
وقال يحيى بن معاذ :
سقم الجسد بالأوجاع وسقم القلوب بالذنوب ..
فكما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب .
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها .
وترد الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عيانها .
2 ـ رحمة الخلق :
فقد شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال لة
" امسح رأس اليتيم و أطعم المساكين "
( رواة أحمد وحسنة الألباني )
وفي رواية قال :
" أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟ ارحم اليتيم , وامسح رأسه و أطعمه من طعامك ,
يلن قلبك وتدرك حاجتك "
( رواة الطبراني )
3 ـ ذكر الله :
قال تعالى :
( الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ
وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ )
( الحج : 35 ) .
وقال رجل للحسن :
يا أبا سعيد ! أشكو إليك قسوة في قلبي ! قال : أدْنِه من الذكر .
4 ـ الدعاء :
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
" اللهم مصرف القلوب اصرف قلوبنا على طاعتك "
( رواة مسلم )
وكان يقول:
" يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك "
( رواة الترمذي ) .
5 ـ علاجات متفرقة :
سأل رجل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :
ما دواء قسوة القلب ؟
فأمرته بعيادة المرضى وتشيع الجنائز وتوقع الموت .
وشكا ذلك رجل إلى مالك بن دينار فقال :
أدمن الصيام , فإن وجدت قسوة فأطل القيام , فإن وجدت قسوة فأقل الطعام .
وسئل ابن المبارك :
ما دواء القلب ؟ فقال : قلة الملاقاة .
وقال عبد الله بن خبيق :
خلق الله القلوب مساكن للذكر فصارت مساكن للشهوات ولا يمحو الشهوات من القلوب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق .
وقال ابراهيم الخواص :
دواء القلوب خمسة أشياء : قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين ،،،، .
" أعيـــــاد الصائــــمين "
قال ابن رجب :
" من يصوم في الدنيا عما سوى الله فيحفظ الرأس وما حوى ويحفظ البطن وما وعى ويذكر الموت والبلى ويريد الآخرة فيترك زينة الدنيا ,
فهذا عيد فطره يوم لقاء ربه وفرحه برؤيته .
كما قيل :
أهل الخصوص من الصوام صومهم صون اللسان عن البهتان والكذب .
والعارفون و أهل الأنس صومهم صون القلب عن الأغيار والحجب .،،،،،، .
اللهم اجعل قلوبنا تصوم في كل وقت وحين ......
وكل عام وأنتم بخير