وَلَـم يَـزَل سَيِّـدُ الكَونَيـنِ مُنتَصِبـاً
لِدَعوَةِ الدِّيـن لَـم يَفتـر وَلَـم يَجِـمِ
يَستَقبِلُ النّاسَ في بَدوٍ وَفـي حَضَـرٍ
وَيَنشُرُ الدِّينَ في سَهـلٍ وَفـي عَلَـمِ
حَتّى اِستَجابَت لَهُ الأَنصارُ وَاِعتَصَمُوا
بِحَبلِهِ عَـن تَـراضٍ خَيـرَ مُعتَصـمِ
فَاِستَكمَلَـت بِهِـمُ الدُنيـا نَضارَتَـهـا
وَأَصبَحَ الدينُ فـي جَمـعٍ بِهِـم تَمَـمِ
قَومٌ أَقَرُّوا عِمادَ الحَـقِّ وَاِصطَلَمُـوا
بِيَأسِهِـم كُـلَّ جَـبّـارٍ وَمُصطَـلِـمِ
فَحينَ وافـى قُرَيشـاً ذِكـرُ بَيعَتِهِـ
مثارُوا إِلى الشَّرِّ فِعلَ الجاهِـلِ العَـرِمِ
وَبادَهُوا أَهلَ دِيـنِ اللَـهِ وَاِهتَضَمُـوا
حُقُوقَهُـم بِالتَّمـادِي شَـرَّ مُهتَـضَـمِ
فَكَم تَرى مِن أَسيـرٍ لا حِـراكَ بِـهِوَ
شارِدٍ سـارَ مِـن فَـجٍّ إِلـى أَكَـمِ
فَهاجَرَ الصَّحبُ إِذ قالَ الرَّسُولُ لَهُـم
سيرُوا إِلى طَيبَـةَ المَرعِيَّـةِ الحُـرَمِ
وَظَلَّ فـي مَكَّـةَ المُختـارُ مُنتَظِـراً
إِذناً مِـنَ اللَـهِ فـي سَيـرٍ وَمُعتَـزَمِ
فَأَوجَسَت خيفَـةً مِنـهُ قُرَيـشُ وَلَـم
تَقبَل نَصيحاً وَلَـم تَرجـع إِلـى فَهَـمِ
فَاِستَجمَعَت عُصَبـاً فـي دارِ نَدوَتِهـا
بغي بِهِ الشَّرَّ مِن حِقـدٍ وَمِـن أَضَـمِ
وَلَـو دَرَت أَنَّهـا فِيـمـا تُحـاوِلُـهُ
مَخذولَةٌ لَم تَسُـم فـي مَرتَـعٍ وَخِـمِ
أَولى لَها ثُـمَ أَولـى أَن يَحيـقَ بِهـا
ما أَضمَرَتهُ مِـنَ البَأسـاءِ وَالشَّجَـمِ
إِنّي لَأَعجَبُ مِـن قَـومٍ أُولـي فِطَـنٍ
باعُوا النُّهى بِالعَمى وَالسَّمعَ بِالصَّمَـمِ
يَعصُـونَ خالِقَهُـم جَهـلاً بِقُـدرَتِـهِ
وَيَعكُفُونَ عَلـى الطاغُـوتِ وَالصَّنَـمِ
فَأَجمَعُـوا أَمـرَهُـم أَن يَبغـتُـوهُ إِذا
جَنَّ الظَّـلامُ وَخَفَّـت وَطـأَةُ القَـدَمِ
وَأَقبَلُوا مَوهِنـاً فـي عُصبَـةٍ غُـدُرٍ
مِنَ القَبائِـلِ باعُـوا النَّفـسَ بِالزَّعَـمِ
فَجـاءَ جِبـريـلُ لِلـهـادِي فَأَنـبـأَهُ
بِمـا أَسَـرُّوهُ بَعـدَ العَهـدِ وَالقَسَـمِ
فَمُـذ رَآهُـم قِيامـاً حَـولَ مَأمَـنِـهِ
يَبغُـونَ ساحَتَـهُ بِالـشَّـرِّ وَالفَـقَـمِ
نـادى عَلِيّـاً فَأَوصـاهُ وَقـالَ لَــهُ
لا تَخشَ وَالبَـس رِدائـي آمِنـاً وَنَـمِ
وَمَرَّ بِالقَـومِ يَتلُـوُ وَهـوَ مُنصَـرِفٌ
يَس وَهيَ شِفاءُ النَّفـسِ مِـن وَصَـمِ
فَلَـم يَـرَوهُ وَزاغَـت عَنـهُ أَعيُنُهُـم
وَهَل تَرى الشَّمس جَهراً أَعيُنُ الحَنَـمِ
وَجـاءَهُ الوَحـيُ إِيذانـاً بِهِجـرَتِـهِ
فَيَمَّمَ الغـارَ بِالصِّدِّيـقِ فـي الغَسَـمِ
فَمـا اِستَقَـرَّ بِـهِ حَـتّـى تَـبَـوَّأَهُ
مِـنَ الحَمائِـمِ زَوجٌ بـارِعُ الـرَّنَـمِ
بَنـى بِـهِ عُشَّـهُ وَاِحتَـلَّـهُ سَكـنـاً
يَـأوي إِلَيـهِ غَـداةَ الرّيـحِ وَالرّهَـمِ
إِلفـانِ مـا جَمَـعَ المِقـدارُ بَينَهُمـا
إِلّا لِسِـرٍّ بِصَـدرِ الـغـارِ مُكتَـتَـمِ
كِلاهُمـا دَيـدَبـانٌ فَــوقَ مَـربـأَةٍ
يَرعَى المَسالِكَ مِـن بُعـدٍ وَلَـم يَنَـمِ
إِن حَنَّ هَذا غَرامـاً أَو دَعـا طَرَبـاً
بِاسمِ الهَديـلِ أَجابَـت تِلـكَ بِالنَّغَـمِ
يَخالُهـا مَـن يَراهـا وَهـيَ جاثِمَـةٌ
في وَكرِهـا كُـرَةً مَلسـاءَ مِـن أَدَمِ
إِن حَنَّ هَذا غَرامـاً أَو دَعـا طَرَبـاً
بِاسمِ الهَديـلِ أَجابَـت تِلـكَ بِالنَّغَـمِ
يَخالُهـا مَـن يَراهـا وَهـيَ جاثِمَـةٌ
في وَكرِهـا كُـرَةً مَلسـاءَ مِـن أَدَمِ
إِن رَفرَفَت سَكَنَت ظِـلّاً وَإِن هَبَطَـت
رَوَت غَليلَ الصَّدى مِن حائِـرٍ شَبِـمِ
مَرقُومَةُ الجِيـدِ مِـن مِسـكٍ وَغالِيَـةٍ
مَخضُوبَـةُ السـاقِ وَالكَفَّيـنِ بِالعَنَـمِ
كَأَنَّما شَرَعَـت فـي قانِـيءٍ سـربٍ
مِن أَدمُعِـي فَغَـدَت مُحمَـرَّةَ القَـدَمِ
وَسَجـفَ العَنكَبُـوتُ الغـارَ مُحتَفِيـاً
بِخَيمَـةٍ حاكَهـا مِـن أَبـدَعِ الخِيَـمِ
قَد شَدَّ أَطنابَها فَاِستَحكَمَـت وَرَسَـت
بِـالأَرضِ لَكِنَّهـا قامَـت بِـلا دِعَـمِ
كَأَنَّـهـا سـابِـريٌّ حـاكَـهُ لَـبِـقٌ
بِأَرضِ سابُورَ فـي بحبُوحَـةِ العَجَـمِ
وَارَت فَمَ الغارِ عَـن عَيـنٍ تُلِـمُّ بِـه
فَصارَ يَحكـي خَفـاءً وَجـهَ مُلتَثِـمِ
فَيـا لَـهُ مِـن سِتـارٍ دُونَـهُ قَمَـرٌ
يَجلُو البَصائِرَ مِن ظُلـمٍ وَمِـن ظُلَـمِ
فَظَـلَّ فيـهِ رَسـولُ اللَّـهِ مُعتَكِـفـاً
كَالدُرِّ في البَحر أَو كَالشَمسِ في الغُسَمِ
فَظَـلَّ فيـهِ رَسـولُ اللَّـهِ مُعتَكِـفـاً
كَالدُرِّ في البَحر أَو كَالشَمسِ في الغُسَمِ
أَوحى الرَّسولُ بِإِعدادِ الرَّحيـلِ إِلـى
مَن عِندَهُ السِّرُّ مِن خِلٍّ وَمِـن حَشَـمِ
وَسـارَ بَعـدَ ثَـلاثٍ مِـن مَبـاءَتِـهِ
يَـؤُمُّ طَيبَـةَ مَـأوى كُـلِّ مُعتَـصِـمِ
فَحِيـنَ وَافـى قُدَيـداً حَـلَّ مَوكِبُـهُ
بِـأُمِّ مَعبَـدَ ذاتِ الـشَّـاءِ وَالغَـنَـمِ
فَلَـم تَجِـد لِقِـراهُ غَـيـرَ ضائِـنَـةٍ
قَـدِ اقشَعَـرَّت مَراعِيهـا فَلَـم تَسُـمِ
فَمـا أَمَـرَّ عَلَيـهـا داعِـيـاً يَــدَهُ
حَتّى اِستَهَلَّت بِـذِي شَخبيـنِ كَالدِّيَـمِ
ثُمَّ اِستَقَلَّ وَأَبقـى فـي الزَّمـانِ لَهـا
ذِكراً يَسيـرُ عَلَـى الآفـاق كَالنَّسَـمِ
فَبَينَمـا هُـوَ يَطـوي البِيـدَ أَدرَكَـهُ
رَكضاً سُراقَةُ مِثلَ القَشعَـمِ الضَّـرِمِ
حَتّى إِذا ما دَنـا سـاخَ الجَـوادُ بِـهِ
فـي بُرقَـةٍ فَهَـوى لِلسَّـاقِ وَالقَـدَمِ
فَصاحَ مُبتَهِلاً يَرجُـو الأَمـانَ وَلَـو
مَضى عَلى عَزمِهِ لانهارَ فـي رَجَـمِ
وَكَيـفَ يَبلُـغُ أَمــراً دُونَــهُ وَزَرٌ
مِـنَ العِنايـةِ لَـم يَبلُغـهُ ذُو نَـسَـمِ
فَكَفَّ عَنهُ رَسـولُ اللَّـهِ وَهـوَ بِـهِ
أَدرى وَكَـم نِقَـمٍ تفتَـرُّ عَـن نِـعَـمِ
وَلَم يَزَل سائِراً حَتّـى أَنـافَ عَلـى
أَعـلامِ طَيبَـةَ ذاتِ المَنظَـرِ العَمَـمِ
أَعظِـم بِمَقدَمِـهِ فَـخـراً وَمَنقـبَـةً
لِمَعشَرِ الأَوسِ وَالأَحياءِ مِـن جُشَـمِ
فَخـرٌ يَـدُومُ لَهُـم فَضـلٌ بِذِكرَتِـهِ
ما سارَت العِيـسُ بِالـزُّوّارِ لِلحَـرَمِ
يَـومٌ بِـهِ أَرَّخَ الإِســلامُ غُـرَّتَـهُ
وَأَدرَكَ الدِّيـنُ فـيـهِ ذِروَةَ النُّـجُـمِ
ثُـمَّ اِبتَنـى سَيِّـدُ الكَونَيـنِ مَسجِـدَهُ
بُنيـانَ عِـزٍّ فَأَضحـى قائِـمَ الدّعَـم
وَاِختَصَّ فيـهِ بِـلالاً بِـالأَذانِ وَمـا
يُلفى نَظيـرٌ لَـهُ فـي نَبـرَةِ النَّغَـمِ
حَتّى إِذا تَـمَّ أَمـرُ اللَّـهِ وَاِجتَمَعَـت
لَهُ القبَائِـلُ مِـن بُعـدٍ وَمِـن زَمَـمِ
قـامَ النَّبِـيُّ خَطيبـاً فيهِـمُ فَــأَرى
نَهجَ الهُدى وَنَهى عَـن كُـلِّ مُجتَـرَمِ
وَعَمَّهـم بِكِتـابٍ حَـضَّ فيـهِ عَلـى
مَحاسِـنِ الفَضـلِ وَالآدابِ وَالشِّيـمِ
فَأَصبَحُوا في إِخـاءٍ غَيـرِ مُنصَـدِعٍ
عَلـى الزَّمـانِ وَعِـزٍّ غَيـرِ مُنهَـدِمِ
وَحِيـنَ آخـى رَسُـولُ اللَّـهِ بَينَهُـمُ
آخى عَلِيّاً وَنِعمَ العَـونُ فـي القُحَـمِ
هُوَ الَّـذي هَـزَمَ اللَّـهُ الطُغـاةَ بِـهِ
في كُـلِّ مُعتَـرَكٍ بِالبِيـضِ مُحتَـدِمِ
فَاِستَحكَـم الدِّيـنُ وَاِشتَـدَّت دَعائِمُـهُ
حَتّى غَدا واضِـحَ العِرنيـنِ ذا شَمَـمِ