ذكرت تقارير صحفية ان البيان الذي أصدره المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي والخاص بإعلان نيته الترشح لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر إقامتها في 2011، فتح الباب لمناقشة واسعة النطاق لصلاحيات رئيس الجمهورية.
اضافت التقارير ان عددا من السياسين المصريين المحسوبين على تيار المعارضة بدأوا بالفعل في تعبئة كل القوى الوطنية وتوحيد الرأي العام من أجل تحقيق انطلاقة ديمقراطية تخرج بالمصريين من حالة القلق وعدم الثقة في مستقبل الحياة السياسية في مصر مع اقتراب الانتخابات التشريعية 2010 والانتخابات الرئاسية المقبلة2011.
وحسبما ذكرت صحيفة "الجريدة" الكويتية ، أكد هؤلاء السياسيون ان الترشح المشروط بمطالب الإصلاح السياسي بما يكفل نزاهة العملية الانتخابية، فيه نية صادقة من جانب البرادعي لتفعيل المشاركة السياسية السليمة، مؤكدين ان مطالب البرادعي "تستحق الترحيب والتشجيع لما لها من تأثير إيجابي في الحياة السياسية".
وكان بيان البرادعي قد أثار ردود أفعال متباينة، حيث قوبل بهجوم عنيف شارك فيه إعلاميون ومسئولون ومعارضون، بينما رحب آخرون بالبيان واعتبروه "طوق نجاة" للخروج من حالة الركود السياسي التي تخيم على مصر منذ سنوات.
في هذه الأثناء، طالب "الائتلاف الديموقراطي للأحزاب"، الذي يضم أحزاب "الجبهة الديمقراطية والتجمع والناصري والوفد" بـ " إجراء تعديلات على بعض أحكام قانون مجلس الشعب تسمح بإجراء الانتخابات على أساس القوائم النسبية غير المشروطة، كذلك الإشراف القضائي الكامل على العملية الانتخابية - البرلمانية والرئاسية - وتحقيق تكافؤ إعلامي في جميع وسائل الإعلام بين كل المشاركين في الانتخابات ورفع جميع القيود عن الحركة الحزبية وحقها في التواصل مع الجماهير وإنهاء العمل بقانون الطوارئ".
وفيما يخص انتخابات الرئاسة المقبلة، طالب الائتلاف بإدخال تعديلات على بعض مواد الدستور، تؤكد الفصل بين السلطات وتقليص سلطات رئيس الجمهورية وتحديد انتخابه بفترتين فقط، ورفع القيود عن الأحزاب والأفراد للترشح في الانتخابات، كذلك التعديلات التي تفتح الباب أمام تحول ديمقراطي نحو جمهورية برلمانية. كما سيتقدم الائتلاف إلى مجلسي الشعب والشورى بمشروع قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية وتعديل لقانون مجلس الشعب.
وأكد نائب رئيس الحزب "الناصري" سامح عاشور ضرورةَ تعديل المادة 76 الخاصة بترشيح رئيس الجمهورية وضرورة الإشراف من كل الأحزاب ولجنة عليا من هيئات مختلفة على الانتخابات التشريعية المقبلة والرئاسية، لافتا إلى أن "لجنة مشكلة من أحزاب الائتلاف تقوم الآن بإعداد مجموعة من القوانين وعرضها على مجلسي الشعب والشورى" وهي خاصة بتقليص سلطات رئيس الجمهورية وتشريعات أخرى.
ويرى مراقبون ان البرادعي يواجه مصاعب في الترشح لانتخابات الرئاسة منها انه لم يكن عضوا في الهيئة العليا لأي حزب لمدة عام، كما ان المسؤولين في مصر يرون انه لا يلقى الدعم سوى من الساحة العالمية والنخبة والاكاديميين في مصر.
لكن ناشطين شبابا في حزب الوفد الليبرالي يتحركون لضمه الى قيادة الحزب تمهيدا لترشيحه للرئاسة، كما تدعو عدة مجموعات من خلال شبكة 'فيسبوك' المصريين الى 'التصويت للبرادعي'.
ويشغل الرئيس المصري حسني مبارك منصب الرئاسة منذ اكتوبر/ تشرين الاول عام 1981، ويرى مراقبون انه سيسلم الحكم الى نجله الاصغر جمال مبارك (45 عاما).
ويشترط في أي مرشح للرئاسة المصرية ان يكون عضوا قياديا في حزبه لمدة خمسة اعوام على الأقل وان ينال تأييد 250 عضوا في المجالس المنتخبة، وهي شروط لا تتوفر سوى في مرشح الحزب الوطني الحاكم.
وتثير مسألة الخلافة السياسية في مصر جدلا مستمرا بخاصة ان مبارك سيدخل عامه الثاني والثمانين في ايار (مايو) المقبل، في ظل شائعات حول حالته الصحية.
البرادعي ينفي اتهامات الصحف القومية
في هذه الأثناء، استهجن البرادعى ما ضمنه الهجوم الذى انطلق ضاريا عليه فى صفحات الصحافة القومية من اتهام له بأنه قدم الدعم لقرار إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش بغزو العراق عام 2003.
وأوضح د. البرادعى فى تصريحات لصحيفة "الشروق" المصرية المستقلة أن هذا الاتهام عارٍ تماما من الصحة مشيرا الى وثيقتين بالغتى الدلالة فى هذا الصدد.
الوثيقتان قدمهما البرادعى لمجلس الأمن، الأولى بتاريخ 27 يناير 2003، والثانىة بتاريخ 7 مارس من العام نفسه. وتكشف القراءة الممحصة للوثيقتين عن أن البرادعى قدم فيهما حججا قوية ومتتابعة تستبعد امتلاك عراق صدام حسين لأسلحة تدمير شامل، ومن ثم تنقض الذريعة الأساسية لدى الإدارة الأمريكية لشن العدوان العسكرى على العراق.
ففى تقريره المؤرخ 27 يناير 2003، وبعد شرح للإجراءات التى اتخذتها الوكالة فى التفتيش والتحقق فى شأن البرنامج النووى العراقى، يستنتج رئيس الوكالة وقتها أن "حتى يومنا هذا لم نجد دليلا واحدا على أن العراق قد استأنف برنامجه للتسلح النووى، منذ القضاء على ذلك البرنامج فى التسعينيات".
وكان البرادعى قد استهل تقريره بتوضيح أن الوكالة كانت قد تأكدت من انتهاء برنامج التسليح النووى العراقى خلال الفترة السابقة على توقف عملية التفتيش فى ديسمبر 1998، وأن متابعتها خلال الأربع السنوات التالية لذلك من خلال المراقبة عن بعد لم تسفر عن أى شىء يفيد بأن هذا الوضع قد تغير، إلى أن استؤنف التفتيش المباشر عقب صدور قرار مجلس الأمن 1441 فى نوفمبر 2002.
ويذكر أن الإدارة الأمريكية وقتها كانت تضغط بقوة على الوكالة لتعلن مراوغة العراق وعدم تعاونه مع برنامج التفتيش، لتستخرج مسوغا قانونيا للغزو. غير أن تقرير البرادعى يبدو وكأنه يرد مباشرة على الدعاوى الأمريكية مصرا على "أن عملنا يتقدم بصورة متواصلة، ويجب أن يسمح له بالاستمرار فى مساره الطبيعى".
ويضيف مؤكدا انه فى حال استمرار العراق فى تعاونه مع الوكالة "سيمكننا خلال الأشهر المقبلة أن نقدم تأكيدات عالية المصداقية بأن العراق لا يمتلك برنامجا للتسلح النووى". ويخلص قائلا: "الأشهر المقبلة يمكن أن تشكل استثمارا قيما فى السلام، لأنها يمكن أن تعاوننا على تجنب الحرب".
وفى تقريره بتاريخ 7 مارس يبدو البرادعى كمن يقدم دحضا مباشرا للذرائع الأنجلوأمريكية للغزو الذى بدأ بعدها بأسبوعين تقريبا. يقول البرادعى فى تقريره: "بعد ثلاثة أشهر من التفتيش التدخلى لم نعثر حتى يومنا هذا على أى دليل أو مؤشر معقول لإحياء برنامج التسلح النووى فى العراق".
ويضيف أن العراق فى الفترة السابقة على التقرير أبدى استعدادا عاليا للتعاون مع الوكالة معبرا عن أمله فى مواصلة العراق لذلك المستوى من التعاون والتفاعل. ويخلص: "إن المعرفة التفصيلية التى تراكمت لدى خبراء الوكالة بالامكانات العراقية، بالاضافة الى الالتزام الفعال من قبل الدول بمساعدتها على أداء مهمتها، فضلا عن التقدم فى الفترة الأخيرة فى مستوى تعاون العراق، هذا من شأنه أن يساعدنا على التوصل إلى تقييم موضوعى وعميق للقدرات العراقية فى المجال النووى".
ولم تكترث الإدارة الأمريكية وحليفها البريطانى بتحذيرات وتأكيدات البرادعى، ليبدأ الغزو يوم 20 مارس.
"حملة منظمة" ضد البرادعي
وكان البرادعي قد تعرض لما يمكن وصفه بـ "حملة منظمة" عقب اعلانه نيته الترشح لمنصب الرئاسة في مصر، من الصحف المصرية الحكومية، وقنوات فضائية محسوبة على رجال اعمال مقربين من الحزب الوطني الحاكم.
وجاءت ردود الأفعال على هيئة مقالات تهاجم البرادعي، وتوجه إليه اتهامات عديدة منها أن له جنسية سويدية، وهو ما نفاه، وأنه تآمر لضرب العراق، وأنه يشبه الرئيس الأفغاني كرزاي، كما ردت الصحف المستقلة والحزبية بهجوم مضاد على النظام والصحف الحكومية.
وحسبما ذكرت صحيفة "القدس العربي" اللندنية، تصدرت أخبار البرادعي تعليقات معظم الصحف المستقلة والمواقع الالكترونية مثل "الفيس بوك" و"اليوتيوب"، وأذاعت مقاطع تنفي حصوله على جنسية أخرى غير المصرية رداً على الهجوم عليه واتهامه بالبعد عن مصر لمدة 27 عاماً.
وكان أول رد فعل من الحكومة المصرية قد جاء على لسان وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية مفيد شهاب والذي قال لوكالة انباء الشرق الاوسط المصرية الرسمية أمس الاحد "استبعد أن يكون العالم المصري محمد البرادعي يفكر في الترشيح بجدية لهذا المنصب الكبير وإن كان يفكر فهو مخطىء".
وأضاف: ان "منصب رئيس الدولة يحتاج إلى شخصية قيادية حزبية تتفهم طبيعة العمل السياسي.. وان البرادعي مواطن مصري عالم في تخصصه، مقيم بالخارج يقول رأيه، لكنه قضى فترة كبيرة خارج البلد وتنقصه خبرة العمل السياسي والحزبي".
وتابع: "البرادعي عالم مصري له قيمته وثقله في تخصصه ولا نقلل من قيمته كمواطن مصري شرّف بلده، مثله في ذلك مثل أحمد زويل ونجيب محفوظ والعديد من المصريين المبدعين، لكن هذا لا يدعو للخلط بين ما قدمه هؤلاء وبين أمر خطير مثل الترشيح لرئاسة الجمهورية".
وكان شهاب رفض في اكتوبر/ تشرين الاول الماضي ترشيح شخصيات مصرية بارزة من بينها العالم المصري الحائز على جائزة نوبل في الكمياء أحمد زويل والبرادعي والامين العام للجامعة العربية عمرو موسى للرئاسة بعد انتهاء فترة الرئيس حسني مبارك عام 2011.
شروط البرادعي
جاء على قمة الشروط التى وضعها البرادعى لضمان نزاهة العملية الانتخابية أن يكون هناك "إشراف قضائى كامل، ورقابة دولية من الأمم المتحدة، وإنشاء لجنة مستقلة ومحايدة تشرف على العملية الانتخابية، ووضع دستور جديد يكفل الحريات وحقوق الإنسان".
وهى مطالب تطابق دعوات لقوى وطنية مختلفة منذ التعديلات الدستورية التى أجريت فى 2005 ثم فى 2007 لإعادة صياغة الدستور معتبرين الدستور فى شكله الأخير "يجعل شروط الترشح للرئاسة تنطبق على الرئيس مبارك أو نجله فقط وتعيق نزاهة الانتخابات".ووصف الفقهاء الدستوريون حينها التعديل بأنه "عوار دستورى".
وفى مقابل هذه الضمانات الخمسة لنزاهة الانتخابات التى جددها البرادعى، خرجت اتهامات خمس فى وجه الحائز على نوبل للسلام تقول إن البرادعى "محسوب على الأمريكيين ويحمل ضغينة لمصر، ويريد تفصيل دستور يحقق رغباته ورغبات خارجية ولديه جنسية مزدوجة وكان الأخير على دفعته بوزارة الخارجية".