تمنع السلطات الاسرائيلية الفعاليات الثقافية في القدس وتغلق اماكن العروض. لهذا السبب اقيم مهرجان القدس الثقافي "تحت الارض"، حيث تجول الجمهور في حارات البلدة القديمة لمشاهدة العروض التي لم يعلن عن مكان عرضها خوفا من قيام الشرطة الاسرائيلية بمنعها.
المهرجان بدأ بتجمع الجمهور قبالة باب العامود ليقسم إلى مجموعات
لتنطلق إلى أزقة البلدة القديمة. بعيدا عن أعين قوات الامن الاسرائيلية التي انتشرت كعادتها. الجمهور كان على موعد مع الفرقة التي كانت بانتظارنا في أحد المنازل وبامكانيات متواضعة.
أحمد هديب فنان مقدسي ومعه صديقه عمر أبو نجمة حاولا رسم الابتسامة على وجوه الجمهور الذي استمع إلى الغناء الفلسطيني التقليدي وأغاني يا ليل الممزوجة بالطرب الفلسطيني .
قال أحمد لبي بي سي بعد أن انتهى من فقرته "حاولنا تقديم بعض العروض الفنية ولكنها منعت بقرار اسرائيلي ومع هذا فنحن صامدين وسنستمر بالعمل داخل سور البلدة القديمة وخارجها ليصل صوتنا إلى العالم".
العروض اقيمت في المنازل لتجنب ملاحقة الشرطة
زميل أحمد هو الفنان عمر أبو نجمة وهو شاب مقدسي بدأ مشواره الفني لكن الامكانيات متواضعة خاصة في مدينة تعيش تحت الاحتلال.
سألت عمر عن شعوره بالغناء في أحد المنازل بدل الغناء في صالة فنية أو مسرح فقال "شعوري أننا رجعنا في الزمن بالغناء في مثل هذا البيت القديم وانا سعيد بذلك لاننا نريد أن نعرض فننا فنحن مازلنا صغار".
ظهرت فكرة المشروع بعد اغلاق السلطات الاسرائيلية لمعظم الفعاليات الثقافية بسبب اعلان القدس عاصمة الثقافة العربية ولهذا فإن أماكن العروض كانت سرية هذه المرة. الجمهور تنقل من حارة إلى حارة في جُنح الظلام وإلى منازل المقدسين أنفسهم حيث كانت العروض.
الملحن الهولندي ميرلين توالفهوفين هو صاحب الفكرة والتي اشتغل عليها لعدة أشهر في الكتمان "الفكرة هي النظر تحت سطح القدس فالسطح هو لسياسية والتاريخ والدين لكن تحت ذلك هناك الناس وواقعهم ونحن نبحث عن حياتهم الحقيقة وحياتهم اليومية العادية ".
أحد العروض الفنية والذي عرض في احد المنازل كان مقطع مسرحي حول علاقة الاخوة في المنزل الواحد: كيف تختلف الاراء، لكن في النهاية هم اخوة. هذه المسرحية كان من المفترض أن تعرض على المسرح أمام الجمهور كما قال لي أحد الممثلين لكن وزير الامن الداخلي الاسرائيلي يمكن أن يغلق المسرح الوحيد في القدس بحجة القيام بنشاطات غير قانونية.
الجمهور بعد ذلك انتقل إلى أحد مخابز البلدة القديمة التقليدية والتي تعبر عن تراث المكان. فكان الفنان والناشط ماجد الماني في المخبز ففتح كتاب لشعر محمود درويش الذي يعبر عن اندماج الوعي الفلسطيني مع هذا المكان حيث عبق التاريخ القديم كما قال.
بعدها روى ماجد للجمهور وحتى لبعض زبائن المخبز ذكرياته في هذا المخبز عندما كان طفلا يحمل الاواني والصواني لخبزها ويلهو مع أطفال الحارة حول الخباز، والذي رواه ماجد كان أشبه بالتاريخ الشفوي للقدس.
الفقرة التالية كانت في منزل سعاد التي تبرعت وحوّلت أحد غرف منزلها إلى مكتبة عامة فالثقافة في القدس بحاجة إلى امكانيات ودعم مالي كما قال لي أحد رواد المكان. الفرقة كانت مجموعة صغيرة من الاطفال الذي عزفوا مقطوعات ايقاعية جميلة على طبول متنوعة الشكل.
ويرى القائمون على هذا المشروع أن ما يجري في القدس هو قمع لتعبير عن الهوية الفلسطينية من جانب السلطات الإسرائيلية، وعرقلة تطور المشهد الفني في الأراضي الفلسطينية لأن الأنشطة الثقافية أصبحت جزءا من الصراع السياسي.
مهمة الجمهور انتهت بانتهاء ليلة المهرجان فاذا كانت الفكرة التهرب من الشرطة الاسرائيلية فان الجمهور نجح في المهمة. أما بالنسبة للفنانين المقدسين فهي مستمرة بالسر وبالعلن