السلام عليكم
الحمد لله مغيثِ المستغيثين ، ومجيبِ دعوةِ المضطرين ، ومسبلِ النعم على الخلق أجمعين عَظُم حِلمه فستر ، وبسط يده بالعطاء فأكثر ، نعمُه تتْرى ، وفضله لا يحصى ، من أناخ بباب كرمه ظفر ، وأزال الضر عنه وجبر ما انكسر ، إليه وحده تُرفع الشكوى ، وهو المقصود وحده في السر والنجوى ، يجود بأعظم مطلوب ، ويَعُمُ بفضله وإحسانه كل مربوب وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، مجيبُ الدعوات ، وفارجُ الكربات ومجزلُ النعم على البريات ، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله ، أصدقُ العباد قصداً ، وأعظمُهم لربه ذكراً وخشية وتقوى ، صلى الله وسلم وبارك عليه ، وعلى آله الأتقياء وأصحابه الأصفياء ، أمّا بعد ،
فإن الناظر بعين بصره وبصيرته في عالم اليوم وخاصة المسلمون منهم على مستوى أفرادهم ومجتمعاتهم فإنهم يمرون بفتن عظيمة ، تنوعت أسبابها واختلفت موضوعاتها ، وتعددت مصادرها ، في العقول والأنفس ، في الأعراض والأموال ، والأولاد والممتلكات ، تتضمن في طياتها تحسين القبيح ، وتقبيح الحسن ، تعاظم خطرها ، وتطاير شررها ، ولأجل هذا فقد جاء الشارع الكريم بالتحذير من غوائلها وشرورها ومدلهماتها ، وإليك أخي الكريم هذه الوسائل والضمانات والأسس والتي ترسم لك المسار الصحيح تجاه هذه الفتن حال ظهورها والمنهج الأرشد لأوضاعها وأحوالها ، صيانة لك من الزلل والخلل ، وعصمة لك من الهلاك والدمار بإذن الله ، ومن هذه الوسائل :
1- تحقيق التوحيد الخالص لله وإفراده جل وعلا بالعبادة { كل يوم هو في شأن ** [الرحمن:29]
{ ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ** [التغابن:11]
2- الوحدة والإتلاف وترك التنازع والاختلاف والاعتصام بالكتاب والسنة { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ** [آل عمران:103]
« تركت فيكم أمرين ؛ لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض » [ قال الألباني في كتاب " منزلة السنة " إسناده حسن ]
3- الحرص على العبادة والعمل الصالح « الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ » [ روى مسلم 2948 ] .
4- لزوم التوبة والاستغفار والإكثار من التسبيح والدعاء { فلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ** [الأنعام:43]
قال علي رضي الله عنه : ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة .
5- أهمية التأصيل العلمي القائم على المنهج الشرعي المحمدي { فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ** [التوبة : 122]
« إنَّ من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل » [ رواه البخاري 6808 ومسلم 2671] .
6- الالتفاف حول العلماء الربانيين والدعاة الصادقين لمعرفة الأحكام الشرعية حيال الفتن { فلولا إذ جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم .. ** ؟ [ النساء:83 ]
يقول ابن القيم عن دور شيخه شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله في التثبيت " وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله عنا "
7- لزوم جماعة المسلمين وإمامهم « عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ قال كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ .قُلْتُ : وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ .قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا .قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا فَقَالَ هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ، قلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ قَالَ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ » [ روى البخاري 3606 ومسلم 1847 ] .
8- تحقيق مبدأ الأخوة الإسلامية في الله { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان .. ** الآية [المجادلة:22]
« لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه » [رواه البخاري 13] .
9- التأني والرفق وعدم العجلة حال الفتن مما يجعل المسلم يبصر حقائق الأمور بحكمة ، ويقف على خفاياها وأبعادها وعواقبها و « ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه » [رواه مسلم 4698]
10- الصبر الصبر { ولنبلوكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ** [البقرة:155]
« إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ قَالَ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ . » [ رواه ابن ماجه 4014 وصححه الألباني في الصحيحة 494 ]