شفاعة الصيام يوم القيامة

السلام عليكم ورحمه الله و بركاته


تميز شهر رمضان على مدى التاريخ الإسلامى منذ البداية بأنه شهر الانتصارات الكبرى

والمواقف الحاسمة فى كل العصور، فقد كان ولايزال سجلا للأحداث العظيمة منذ

السنة الثانية من الهجرة حين شهد غزوة بدر الكبرى فى ذلك اليوم المشهود الذى

سماه الحق تبارك وتعالى يوم الفرقان يوم التى الجمعان، وكان ذلك أول لقاء بين

الايمان والكفر والحق والباطل أعز الله فيه دينه، ونصر عبده، وصدق وعده، وأيد

جنده، وهزم الأحزاب وحده، إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا

سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان.

وكذلك كان رمضان مسرحاً ليوم الفتح الأعظم فى السنة الثامنة من الهجرة حين

ألقت مكة بمقاليدها إلى رسول الله صلى عليه وسلم، وفتحت الأبواب أمام كل

القبائل ليدخلوا فى دين الله أفواجا، إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون فى

دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا.

وتتابع التاريخ يسجل للإسلام فى رمضان المواقف الفاصلة والأيام الخالدة مثل حطين

وعين جالوت حينما نادى قطز بأعلى صوته وهو يرد موجات التتار واإسلاماه فارتجفت

الأرض، وانطلق النداء مثل الموج الهادر فزلزل كيان العدو وتنزل نصر الله وسلمت

حضارة الإنسان من ذلك الوباء المجتاح الذى أتى على الأخضر واليابس وسجل

التاريخ بمداد من نور ذلك اليوم المشهود حينما اعتز الجند بالله وتنادوا بنداء الإسلام.

ويمضى التاريخ فى خطاه حتى يأتى يوم العاشر من رمضان ذلك اليوم الذى أنزل الله

فيه نصره على جند الكنانة فطهروا الأرض من غاصبيها، وأعادوا الثقة المفقودة

إلى أصحابها، واستردوا الكرامة التى أراد الغاصب أن يسلبهم إياها، وحطموا أسطورة

الجيش الذى لا يقهر، حينما تنادوا بندائهم المجلجل: الله أكبر.

إن هذه كلها مواقف وغيرها كثير شهدها رمضان على مدى التاريخ، مما يجعلنا نسميه

بحق شهر الكفاح، وشهر الانتصارات، وشهر الجهاد، ذلك لأن المسلم فى رمضان فى

جهاد دائم مع كل نوازع الضعف والاستكانة.

فالمسلم فى رمضان فى جهاد دائم مع النفس والهوى والشهوات حتى يخرج المرء

من هذا الاختبار وقد صفت نفسه من الشوائب واستنار قلبه بضياء الحق، وتطلعت

روحه إلى آفاق عليا من السمو فى السلوك والأخلاق والمعاملات لأن صاحبها قد

شعر بقربه من خالقه، وتعلق بالقيم العليا التى اكتسبها من خوضه لتلك التجربة

التى تتهيأ له كل عام وليس هذا بعجيب، فمن خصائص ذلك الشهر أنه يحيط المسلم

بجو روحى صاف نقى حينما ينازع نفسه وشهواته فيحول بينها وبين الطعام والشراب

استجابة لأمر خالقه، وابتغاء مرضاة ربه حينما يقطع نهاره صائما متطلعا إلى الفوز

برضوان الله، ويحيى الليل راكعاً ساجداً آملا أن ينال ما وعده رسول الله صلى الله

عليه وسلم من الغفران لذنوبه والبراءة من آثامه حين قال: من صام رمضان إيمانا

واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناًَ واحتساباً غفر له ما تقدم

من ذنبه.

ومن خصائص ذلك الشهر أنه شهر القرآن يتسابق فيه الصائمون إلى كتاب الله

يتلونه آناء الليل وأطراف النهار فتشرق عليهم أنواره وتحل بهم بركاته وتنالهم شفاعته

يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وفى ذلك يقول الصادق المصدوق

صلى الله عليه وسلم: الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أى

رب منعته الطعام والشهوة فشفعنى فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل

فشفعنى فيه، قال: فيشفعان.