السؤال : ما حكم العقود الصورية التي تجري بين متعاقدين بعقدين أحدهما حقيقي والآخر صوري؟
الجواب : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنـا محمد وعلى آلـه وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين ، وبعــد :-
العقود الصورية هي أن يتفق المتعاقدان سراً على خلاف ما سيعلنان وتشمل ثلاث صور، وهي : -
أولاً : المواطأة في أصل العقد : وهي أن يتواطأ المتعاقدان ويتفقا سراً قبل العقد على أنهما سيعقدان العقد بصورة ظاهرية فقط إيهاماً لغيرهما، دون أن يكون في الواقع منعقداً بينهما، وذلك لمأرب لهما أو لأحدهما فيما يعلنان من العقد الكاذب، وكثيراً ما يحصل هذا من المدينين، إذ يبيعون أموالهم مواطأة؛ لتهريبها من وجه الدائنين، أو يعقدون مداينات وقروضاً صورية على أنفسهم لبعض زملائهم أو أقربائهم؛ ليزاحموا الدائنين الحقيقيين في اقتسام مال المدين المفلس، ثم يعيدونه سراً إلى المدين الذين تواطأوا معه على المداينة الكاذبة، وقد تكون المواطأة واردة على الإقرار بمبلغ، أو بعقد لا على إنشاء العقد، فيقر المورث مثلاً لبعض ورثته بدين أو بعقد؛ ليكون ذلك وسيلة أوذريعة لتفضيله في النصيب الإرثي على غيره من الورثة .
فهذا النوع من المواطأة أو المواصفة، سواء أكان متعلقاً بإنشاء العقد أو الإقرار به، يجعل العقد والإقرار به باطلين في الواقع، وإن كانا قائمين في الظاهر، وذلك لانتفاء الإرادة الحقيقية من أصل العقد أو الإقرار .
ثانياً : المواطأة في البدل : وقد تكون المواطأة إنما تهدف إلى مقدار البدل المتعاقد عليه دون أصل العقد، وعندئذٍ لا تُبطل المواطأة العقد، بل ينحصر تأثيرها في تعديل البدل الظاهر، واعتبار ما جرت عليه المواطأة في السر .
فقد يتواطأ المتعاقدان على بدل في السر أقل مما يتعاقدان عليه علناً، وهذا كثير الوقوع في عقود الزواج بقصد الشهرة والسمعة بالمهر الكثير، وبعض الناس يلجؤون إلى ذلك في بيع الدار؛ احتيالاً لمنع الجار صاحب الشفعة فيه من أن يطلب أخذه بالشفعة عندما يرى ثمنه غالياً، وقد يتواطأ الطرفان على بدل في السر أكثر مما يعلنان، ويحصل في بيع العقار بغية تخفيف الرسوم والضرائب ونحو ذلك .
ففي جميع صور المواطأة على مقدار البدل يعتبر بدل السر المتواطأ عليه إذا صرح الطرفان عند المواطأة بأن البدل الذي سيذكر في العقد هو بدل صوري لا عبرة له إلاّ إذا ترتب على العقود الصورية ضياع حق لذي حق فالعقد باطل .
ثالثاً : المواطأة في الشخص أو " الاسم المستعار " : وقد تكون الصورية المتواطأ عليها في الشخص المتعاقد لا في أصل العقد، وذلك كما في الشخص المسخر الذي يتعاقد ويعمل ويكتب باسمه ولمصلحته الشخصية في الظاهر، ولمصلحة غيره في الباطن، ثم يعلن أن كل عقوده وأملاكه أو بعضها هي في الواقع لذلك الغير، وأن اسمه فيها مستعار عن اسمه .
فالمواطأة هنا إنما هي بين العامل باسمه ظاهراً، ومن يعمل لمصلحته باطناً، فهي من قبيل الوكالة السرية يتواطأ الطرفان على إخفائها، وظهور الوكيل بمظهر الأصيل .
فعندئذ يحل الشخص الحقيقي محل الشخص الصوري، فتكون ثمرات العقود والاكتسابات للمستعار له، ضمن حدود وقيود شرعية؛ لصيانة حقوق الأشخاص الآخرين، خوفاً من أن يتخذ إعلان عارية الاسم وسيلة لتهريب المال من بين يدي من تعلق به حقهم، كما لو أقر بذلك المريض مرض الموت، أو المفلس .