اثبات النسب بواسطة الخبرة الطبية -البصمة الوراثية-
اعداد اشرف بداوي طالب باحث
في
الحقيقة,ان مادفعني الى كتابة هذه السطور, و طرح هذا الموضوع للنقاش و
تجاذب الحديث عن هذه الطريقة في الاثبات و ضعها في قوانين الاحوال الشخصية
العربية. هو قرار حديث صدر عن المجلس الاعلى المغربي يستبعد فيه
الاعتراف بدور هذه الخبرة , و يركن الى الوسائل الشرعية متجاهلا تماما
القوة الثبوتية لهذه الوسيلة .
و
تتخلص وقائع الدعوى التي بت فيها المجلس الاعلى في : ان شخصا يدعى "
بلخديم " مغربي يحمل جنسية مزدوجة (مغربية فرنسية) - القانون المغربي يسمح
بازدواجية الجنسية - متزوج من امراة مزدوجة الجنسية كذلك , رفعت عليه
الزوجة دعوى تطليق امام محكمة فرنسية طالبت فيها بالتطليق و نفقة ابنت.
بالنسبة للتطليق لم يطرح اشكالا , لكن بالنسبة لنفقة البنت فقد دفع المدعى
عليه بنفي نسب البنت و طالب باجراء خبرة طبية. و قد جاءت نتائج الخبرة
الطبية لصالح المدعى عليه و اكدت انه يستحيل ان تكون هذه البنت من صلبه , و
على اساسها حكمت المحكمة الفرنسي بنفي النسب و اخلاء المدعى علية من كل
مسؤولية تجاه البنت.
و لان نفي النسب لم يكن في صالح المدعية فقد رفعت دعوى اثبات النسب امام
محكمة ابتدائية مغربية حكمت لصالحها على اساس ان وسائل الاثبات الشرعية
متوفرة .(الفراش و شروطه خاصة مدة الحمل)
استانف
المدعى عليه الحكم و دفع بنفي النسب مدليا بنتائج الخبرة الطبية و انه
يستحيل ان يكون ابا لهذه البنت. و المشكلة الكبرى ان المحكمة تجاهلت
تماما نتيجة الخبرة و ايدت الحكم الابتدائي و بنت قرارها على اساس ان
الخبرة الطبية ليست من الوسائل الشرعية في الاثبات, و حكمت على المدعى
عليه بمستحقات البنت .
بعد ذلك رفع الرجل دعوى امام المجلس الاعلى مطالبا بنقض قرار محكمة
الاستئناف على اساس ان قرارها غير مرتكز على اساس قانوني لكن المجلس
الاعلى و للاسف ايد قرار محكمة الاستئناف و رفض طلب المدعي .
من هذا الموجز لوقائع الدعوى نلاحظ ان المحاكم المغربية على مختلف درجاتها اعتبرت ان الخبرة الطبية ( البصمة
الوراثية) ليست من الوسائل الشرعية لاثبات النسب و هذا الاجتهاد في
الحقيقة دام ردحا من الزمن متجذرا في احكام و قراراات المحاكم المغربية .
و
قد لاقى استهجانا كبيرا من طرف فقهاء القانون المغاربة على اساس انه لا
يساير ابدا العصر الذي نعيش فيه و يعتبر خرقا صارخا لمبادئ العدل الذي يقوم
عليها القضاءا, بل و قد يعطي صورة سيئة عن المجتمعات الاسلامية و كاننا
نعيش في العصور الوسطى.
ومن الناحية الشرعية و القانونية فقد ثبت ان كبار الائمة قد عملوا ب "القيافة" و كذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم
و هي وسيلة تقوم على الحدس و الفراسة و امكانية التشبيه فما بالنا بخبرة يقينية.