الرياض: د. عقيل العقيل
كبيرة هي معاناة الأسرة عندما يكون أحد أبنائها حبيساً في أحد السجون وكم تلاقي من إحراجات عندما يسأل أحد أفرادها عنه، والأمر الذي لا يقل عنه صعوبة ما حال هذه الأسرة عندما يخرج ابنها من السجن وكيف يتكيَّف مع المجتمع، وكيف تكون نظرة المجتمع لهذا الابن، أسئلة كثيرة إجاباتها في ثنايا هذا التحقيق.
بداية تحدث الشيخ باسم بن محمد السبيعي الداعية المعروف فقال:
أخوة ثابتة
في بداية القول هنا أمور لا أظنها محل خلاف وهي أن: السجين من جملة المسلمين، فأخوته ثابتة في الدين حال سجنه وبعد أن يفرج عنه، كما أنها ثابتة قبل أن يركب الشطط ويدخل السجن أو هي أشد، فالتباعد عنه والتبرؤ منه، والتساهل في حقوقه تفريط فيما أوجب الله تجاهه.
من المساجين من أخذ على غرة فهو مظلوم في سجنه، ملاحق بغير ذنبه فهو يعاني مرارة الظلم فوق مرارة السجن. {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ } [الأعراف: 188]. ثم بعد هذا نجعل كلامنا إلى سجين فرَّج الله عنه، وأعتقه الله من سجنه فهو بين أهله بعد انقطاع طال أو قصر فنقول له: الحياة دروس والكبوة بعدها الأوبة، والغفلة علاجها التوبة، فاحفظ الله يحفظك، أقبل على ربك يصلح لك ما أفسدته يد المعصية، ودنسته أوساخ الخطيئة.
ولغيره نقول: لا يجوز لمسلم كائناً من كان أن يحقر مسلماً لأنه كان سجيناً في يوم من الدهر، وبحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم.
فقبول السجين بعد أن فرَّج الله عنه فيه إعانة له على نفسه وشد من أزره، وقطع لأطماع رفقاء السوء منه. والسجين يبتلى بعد خروجه كما يبتلى في سجنه. والتخلي عنه إعانة للشيطان عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تعينوا الشيطان على أخيكم”.
فالاحتساب في توظيف المفرج عنهم من السجناء، وشغلهم فيما يهذب نفوسهم ويقضي على النزوات فيها، ويسد حاجتهم من أكبر المعروف فيهم، ومن أعظم ما يدخره الإنسان أجراً عند ربه.
لا يترك لينهكه الفراغ
وإذا كانت الحكمة تقتضي ألا توكل إليه مهام الأمور وألا يجعل صاحب السوابق على خزائن الأرض، فالحكمة أيضاً تقتضي ألا يترك لينهكه الفراغ ثم يتولى ليفسد في الأرض ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد.
ومن أول وأولى من نخاطب بذلك أقارب السجين حق عليهم زيارته، وإبقاء العلاقة معه، بل دعوته وصنع وليمة له احتفاءً بخروجه، واستبشاراً بمستقبل مشرق في حياته يكون فيه عضواً نافعاً لنفسه ولأسرته ولمجتمعه.
وفي ذلك رفع لمعنوياته وإعطاؤه الثقوة في نفسه وأثر ذلك لا يعلم مداه إلا خالق النفوس العالم بما نكنه وما نعلنه.. والله الموفق.
نعم، إن الدعوة إلى سبيل الله لا لشخص الداعي ولا لقومه، فليس للداعي من دعوته إلا أنه يؤدي واجبه لله، لا فضل ليتحدث به، لا على الدعوة ولا على من يهتدون على يديه، فإنما أجره على الله. قال ابن القيم – رحمه الله -”جعل الله مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق، فالمستجيب القابل الذكي الذي لا يعاند الحق ولا يأباه يدعى بطريق الحكمة، والقابل الذي عنده غفلة وتأخر يدعى بالموعظة الحسنة وهي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، والمعاند الجاحد يجادل بالتي هي أحسن. اهـ. (مفتاح دار السعادة).
احتواء السجين
ثم تحدث الشيخ د. نهار بن عبدالرحمن العتيبي عضو الجمعية السعودية المشرف على موقع دوحة الإسلام الإلكتروني فقال: قد يحصل من المسلم خطأ من الأخطاء فيعاقب على ذلك بالسجن جزاء هذا الفعل وبعد خروجه من السجن وعودته إلى مجتمعه يجد أمامه الكثير من العقبات التي تحول دون اندماجه في المجتمع لا سيما إذا تاب وأناب وعاد إلى الله عزَّ وجلَّ فربما كان من المصلحة احتواء هذا السجين وتشجيع عودته، ولا تقتصر المصلحة على السجين التائب الخارج من السجن، بل تتعدى إلى مصلحة المجتمع فإن استصلاح كل فرد من أفراد المجتمع وإعادته إلى الطريق الصحيح. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستصلح الأشخاص الذين زلت بهم القدم ففي صحيح البخاري أن رجلاً من المسلمين كان يشرب الخمر مراراً ويؤتى به ويضرب بالنعال ويذهب وفي مرة قال له أحد المسلمين: لعنك الله ما أكثر ما يؤتى بك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا المسلم: “لا تعن الشيطان على أخيك فإنه يحب الله ورسوله” وهذا التوجيه النبوي الكريم دليل على أن المسلم مهما فعل من ذنب فإن التوبة بابها مفتوح له وأن الله يقبل توبته لأنه ليس بعد النبي صلى الله عليه وسلم أحد معصوم.
استصلاح العاصي
ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم” وإن كان الهجر للعاصي لا يكون إلا لمصلحة فإن المصلحة في كثير من الأحيان تكون في استصلاح العاصي وفتح أبواب التوبة أمامه وتشجيعه على العمل والاجتهاد ولا يكون الهجر إلا في أضيق الأحوال ولا يتعدى ثلاث ليال كما نصت على ذلك الأحاديث كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهم الذي يبدأ بالسلام”
خيار صعب
ثم تحدث الشيخ عبدالرحمن بن محمد الجارالله أستاذ العلوم الشرعية في ثانوية اليمامة فقال: السجن خيار صعب لا بد منه لكي تنال به الحقوق وتقضي فيه العقوبة تمتد لسنوات قلَّت أو كثرت، وهذا السجين له أسرة كان الله في عونها تعاني بفقد رب الأسرة الشيء الكثير فكم يعاني الأطفال الذين فقدوا حنان الأب وجلوسهم معه، وكم تعاني الأسرة في تدبير أمورها، والمصاريف حدِّث ولا حرج، من يهتم بهم ومن يصرف عليهم. هذا باب واسع من أبواب الخير وسد لحاجاتهم وتخفيف لما يعانونه جراء ذلك وجاء في الحديث: “من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة”